﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴾
وقوله: ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ...﴾
فالزفير أوَّل نهِيق الحمار وشبهِه، والشهِيق من آخره.
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾
وقوله: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ... ، ﴾
يقول القائل: ما هَذا الاسْتثناء وقد وعد الله أَهْل النار الخلود وأهلَ الجنّة الخلود؟ ففى ذلك مضيان أحدهما أن تجعله استثناء يَسْتثنيه وَلاَ يفعله ؛ كقولك: والله لأضربنّكَ إلاّ أن أرى غير ذلك، وعزيمتُك على ضَربه، فكذلك قال ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ﴾ ولا يشاؤه والله أعلم، والقول الآخر أن العرب إذا استثنت شيئاً كبيراً مع مثله أو مع ما هو أكبر منه كان مَعْنى إلاَّ ومعنى الواو سواء، فمن ذلك قوله ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ والأَرْضُ﴾ سِوَى ما يشاء من زيادة الخلود فيجعل (إلاَّ) مكان (سِوَى) فيصلح. وكأنّه قال: خالدين فيها مقدار ما كانت السَّموات وكانت الأرض سوى ما زادهم من الخلود (و) الأبد. ومثله فى الكلام أن تقول: لى عَليكَ ألف إلاَّ الألفين اللذين من قِبَل فلان ؛ أفلا ترى أَنه فى المعنى: لى عَليكَ سوى الألفين. وهذا أحَبّ الوجهين إليَّ، لأنَّ الله عزّ وجل لا خُلْف لوعده، فقد وصل الاستثناء بقوله ﴿عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ فاسْتدل عَلى أَن الاستثناء لهم بالخلود غير منقطِع عنهم.
﴿ وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾
وقوله: ﴿وَإِنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ...﴾
قرأت القراء بتشديد (لَمَّا) وتخفيفِها وتشديد إن وتخفيفها، فمنْ قال ﴿وَإنَّ كُلاَّ لَمَا﴾ جعل (ما) اسماً للناس كما قال ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ ثم جَعَل اللام التى فيها جَواباً لإنّ، وجَعَل اللام الَّتى فى (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) لا ما دخلت عَلى نيّة يمين فيهَا: فيما بين ما وصلتها ؛ كما تقول هذا مَن لَيذهبنَّ، وعندى ما لَغَيْرُهُ خير منه.