فصل


قال الفخر :
﴿ أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ﴾
اعلم أنه تعالى لما قال :﴿وَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ يعني عن عبادته وطاعته ﴿فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ [ هود : ٣ ] بين بعده أن التولي عن ذلك باطناً كالتولي عنه ظاهراً فقال :﴿أَلاَ إِنَّهُمْ﴾ يعني الكفار من قوم محمد ﷺ يثنون صدورهم ليستخفوا منه.
واعلم أنه تعالى حكى عن هؤلاء الكفار شيئين : الأول : أنهم يثنون صدورهم يقال : ثنيت الشيء إذا عطفته وطويته، وفي الآية وجهان :
الوجه الأول : روي أن طائفة من المشركين قالوا : إذا أغلقنا أبوابنا وأرسلنا ستورنا، واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد، فكيف يعلم بنا ؟ وعلى هذا التقدير : كان قوله :﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ كناية عن النفاق، فكأنه قيل : يضمرون خلاف ما يظهرون ليستخفوا من الله تعالى، ثم نبه بقوله :﴿أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ على أنهم يستخفون منه حين يستغشون ثيابهم.
الوجه الثاني : روي أن بعض الكفار كان إذا مر به رسول الله ثنى صدره وولى ظهره واستغشى ثيابه، والتقدير كأنه قيل : إنهم يتصرفون عنه ليستخفوا منه حين يستغشون ثيابهم، لئلا يسمعوا كلام رسول الله وما يتلو من القرآن، وليقولوا في أنفسهم ما يشتهون من الطعن.
وقوله :﴿ألا﴾ للتنبيه، فنبه أولاً على أنهم ينصرفوا عنه ليستخفوا ثم كرر كلمة ﴿ألا﴾ للتنبيه على ذكر الاستخفاء لينبه على وقت استخفائهم، وهو حين يستغشون ثيابهم، كأنه قيل : ألا إنهم ينصرفون عنه ليستخفوا من الله، ألا إنهم يستخفون حين يستغشون ثيابهم.
ثم ذكر أنه لا فائدة لهم في استخفائهم بقوله :﴿يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٧ صـ ١٤٨﴾


الصفحة التالية
Icon