الثالث : قال صاحب "الكشاف" ﴿أُحْكِمَتْ﴾ يجوز أن يكون نقلاً بالهمزة من حكم بضم الكاف إذا صار حكيماً، أي جعلت حكيمة، كقوله :﴿آيات الكتاب الحكيم﴾ [ يونس : ١ ] الرابع : جعلت آياته محكمة في أمور : أحدها : أن معاني هذا الكتاب هي التوحيد، والعدل، والنبوة، والمعاد، وهذه المعاني لا تقبل النسخ، فهي في غاية الإحكام، وثانيها : أن الآيات الواردة فيه غير متناقضة، والتناقض ضد الإحكام فإذا خلت آياته عن التناقض فقد حصل الإحكام.
وثالثها : أن ألفاظ هذه الآيات بلغت في الفصاحة والجزالة إلى حيث لا تقبل المعارضة، وهذا أيضاً مشعر بالقوة والإحكام.
ورابعها : أن العلوم الدينية إما نظرية وإما عملية.
أما النظرية فهي معرفة الإله تعالى ومعرفة الملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، وهذا الكتاب مشتمل على شرائف هذه العلوم ولطائفها، وأما العملية فهي إما أن تكون عبارة عن تهذيب الأعمال الظاهرة وهو الفقه، أو عن تهذيب الأحوال الباطنة وهي علم التصفية ورياضة النفس، ولا نجد كتاباً في العالم يساوي هذا الكتاب في هذه المطالب، فثبت أن هذا الكتاب مشتمل على أشرف المطالب الروحانية وأعلى المباحث الإلهية، فكان كتاباً محكماً غير قابل للنقض والهدم.
وتمام الكلام في تفسير المحكم ذكرناه في تفسير قوله تعالى :﴿هُوَ الذى أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب مِنْهُ آيات محكمات﴾ [ آل عمران : ٧ ].
المسألة الثالثة :
في قوله :﴿فُصّلَتْ﴾ وجوه : أحدها : أن هذا الكتاب فصل كما تفصل الدلائل بالفوائد الروحانية، وهي دلائل التوحيد والنبوة والأحكام والمواعظ والقصص.
والثاني : أنها جعلت فصولاً سورة سورة، وآية آية.
الثالث :﴿فُصّلَتْ﴾ بمعنى أنها فرقت في التنزيل وما نزلت جملة واحدة، ونظيره قوله تعالى :﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ءايات مّفَصَّلاَتٍ﴾ [ الأعراف : ١٣٣ ] والمعنى مجيء هذه الآيات متفرقة متعاقبة.


الصفحة التالية
Icon