وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ ﴾
أخبر عن معاداة المشركين للنبيّ ﷺ والمؤمنين، ويظنون أنه تخفى على الله أحوالهم.
﴿ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ﴾ أي يطوونها على عداوة المسلمين ففيه هذا الحذف، قال ابن عباس : يخفون ما في صدورهم من الشَّحناء والعداوة، ويظهرون خلافه.
نزلت في الأخنس بن شِريق، وكان رجلاً حُلو الكلام حُلو المنطق، يلقى رسول الله ﷺ بما يحب، وينطوي له بقلبه على ما يسوء.
وقال مجاهد :﴿ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ ﴾ شكّاً وامتراء.
وقال الحسن : يثنونها على ما فيها من الكفر.
وقيل : نزلت في بعض المنافقين، كان إذا مرّ بالنبيّ ﷺ ثَنَى صدره وظهره، وطأطأ رأسه وغطّى وجهه، لكيلا يراه النبيّ ﷺ فيدعوه إلى الإيمان ؛ حكى معناه عن عبد الله بن شدّاد فالهاء في ﴿ مِنْهُ ﴾ تعود على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل : قال المنافقون إذا غلقنا أبوابنا، واستغشينا ثيابنا، وثَنَينا صدورنا على عداوة محمد فمن يعلم بنا؟ فنزلت الآية.
وقيل : إن قوماً من المسلمين كانوا يَتَنَسَّكون بستر أبدانهم ولا يكشفونها تحت السماء، فبيّن الله تعالى أن التَّنَسك ما اشتملت عليه قلوبهم من معتقد، وأظهروه من قول وعمل.
وروى ابن جرير عن محمد بن عبّاد بن جعفر قال : سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول :"أَلاَ إنَهُمْ تَثْنَوني صُدُورُهُمْ لْيَسْتَخْفُوا مِنْهُ" قال : كانوا لا يجامعون النساء، ولا يأتون الغائط وهم يُفضون إلى السماء، فنزلت هذه الآية.
وروى غير محمد بن عباد عن ابن عباس :"أَلاَ إنَّهُمْ تَثْنَوِي صُدُورُهُمْ" بغير نون بعد الواو، في وزن تنطوي ؛ ومعنى "تَثنوِي" والقراءتين الأخريين متقارب ؛ لأنها لا تَثْنوِي حتى يَثْنوها.


الصفحة التالية
Icon