وابن مردويه من طريق محمد بن عباد بن جعفر أنه سمع ابن عباس يقرأ الآية فسأله عنها فقال : أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم، وليس في الروايات السابقة ما يكافىء هذه الرواية في الصحة، وأمر ﴿ يَثْنُونَ ﴾ عليها ظاهر خلا أنه إذا كان المراد بالأناس جماعة من المسلمين كما صرح به الجلال السيوطي أشكل الأمر، وذلك لأن الظاهر من حال المسلم إذا استحيا من ربه سبحانه فلم يكشف عورته مثلاً في خلوة كان مقصوده مجرد إظهار الأدب مع الله تعالى مع علمه بأنه جل شأنه لا يحجب بصره حاجب ولا يمنع علمه شيء ومثل هذا الحياء أمر لا يكاد يذمه أحد بل في الآثار ما هو صريح في الأمر به وهو شعار كثير من كبار الأمة، والقول بأن استحياء أولئك المسلمين كان مقروناً بالجهل بصفاته عز وجل فظنوا أن الثني يحجب عن الله سبحانه فرد عليهم بما رد لا أظنك تقبله ؛ وبالجملة الأمر على هذه الرواية لا يخلو عن إشكال ولا يكاد يندفع بسلامة الأمر، والذي يقتضيه السياق ويستدعيه ربط الآيات كون الآية في المشركين حسبما تقدم فتدبر والله تعالى أعلم.
وقرأ الحبر رضي الله تعالى عنه.
ومجاهد.
وغيرهما ﴿ تثنوني ﴾ بالتاء لتأنيث الجمع وبالياء التحتية لأن التأنيث غير حقيقي، وهو مضارع اثنوني كاحلولي فوزنه تفعوعل بتكرير العين وهو من أبنية المزيد الموضوعة للمبالغة لأنه يقال حلي فإذا أريد المبالغة قيل احلولي وهو لازم فصدورهم فاعله، ويراد منه ما أريد من المعاني في قراءة الجمهور إلا أن المبالغة ملحوظة في ذلك فيقال : المعنى مثلاً تنحرف صدورهم انحرافاً بليغاً.
وعن الحبر أيضاً.
وعروة.
وغيرهما أنهم قرأوا ﴿ تثنون ﴾ بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الثاء وفتح النون وكسر الواو وتشديد النون الأخيرة، والأصل تثنونن بوزن تفعوعل من الثن بكسر الثاء وتشديد النون وهو ما هش وضعف من الكلأ أنشد أبو زيد :


الصفحة التالية
Icon