﴿ عَلَى الله رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا ﴾ موضع قرارها في الأصلاب ﴿ وَمُسْتَوْدَعَهَا ﴾ موضعها في الأرحام وما يجري مجراها من البيض ونحوه، فالمستقر والمستودع اسما مكان، وجوز فيهما أن يكونا مصدرين وأن يكون المستودع اسم مفعول لتعدي فعله، ولا يجوز في المستقر ذلك لأن فعله لازم، والأول هو الظاهر، وإنما خص كل من الاسمين بما خص به من المحل كما قال بعض الفضلاء لأن النطفة مثلاً بالنسبة إلى الأصلاب في حيزها الطبيعي ومنشئها الخلقي، وأما بالنسبة إلى الأرحام مثلاً فهي مودعة فيها إلى وقت معين، وعن عطاء تفسير المستقر بالأرحام والمستودع بالأصلاب وكأنه أخذ تفسير الأول بذلك من قوله سبحانه :﴿ وَنُقِرُّ فِى الارحام مَا نَشَاء ﴾، وجوز أن يكون المراد بالمستقر مساكنها من الأرض حيث وجدت بالفعل، وبالمستودع محلها من المواد والمقار حين كانت بعد بالقوة، وهذا عام لجميع الحيوانات بخلاف الأول إذ من الحيوانات ما لم يستقر في صلب كالمتكون من عفونة الأرض مثلاً، ولعل تقديم محلها باعتبار حالتها الأخيرة لرعاية المناسبة بينها وبين عنوان كونها دابة في الأرض، والمعنى على ما قيل : ما من دابة في الأرض إلا يرزقها الله تعالى حيث كانت من أماكنها يسوقه إليها ويعلم موادها المختلفة المندرجة في مراتب الاستعدادات المتفاوتة المتطورة في الأطوار المتباينة ومقارها المتنوعة يفيض عليها في كل مرتبة ما يليق بها من مبادىء وجودها وكمالاتها المتفرعة عليها، ولا يخلو عن حسن إلا أن فيه بعداً، وأخرج عبد الرزاق وجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن مستقرها حيث تأوي ومستودعها حيث تموت، وتعقب بأن تفسير المستودع بذلك لا يلائم مقام التكفل بأرزاقها، وقد يقال : لعل ذلك إشارة إلى نهاية أمد ذلك التكفل، وفي خبر ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إشارة إلى ما هو كالمبدأ له أيضاً، فقد أخرج عنه ابن جرير.


الصفحة التالية
Icon