السمواتِ في يومين والأرضَ في يومين وما عليها من أنواع الحيواناتِ والنباتِ وغيرِ ذلك في يومين حسبما فُصِّل في سورة حم السجدةُ ولم يُذكر خلقُ ما في الأرض لكونه من تتمات خلقِها وهو السرُّ في جعل زمان خلقِه تتمةً لزمان خلقِها في قوله تعالى :﴿ فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ﴾ أي في تتمة أربعةِ أيام. والمرادُ بالأيام الأوقاتُ كما في قوله تعالى :﴿ مِنْ * يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ﴾ أي في ستة أوقاتٍ أو مقدارِ ستةِ أيامٍ فإن اليومَ في المتعارَف زمانُ كونِ الشمسِ فوق الأرضِ، ولا يُتصوَّر ذلك حين لا أرضَ ولا سماءَ، وفي خلقها مدرجاً مع القدرة التامةِ على خلقها دفعةً دليلٌ على أنه قادرٌ مختارٌ واعتبارٌ للنُظّار وحثٌّ على التأنّي في الأمور. وأما تخصيصُ ذلك بالعدد المعيَّنِ فأمرٌ استأثر بعلم ما يقتضيه علامُ الغيوب جلت حِكمتُه، وإيثارُ صيغةِ الجمعِ في السموات لما هو المشهورُ من الإشارة إلى كونها أجراماً مختلفةَ الطبائعِ ومتفاوتةَ الآثارِ والأحكام ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ ﴾ قبل خلقِهما ﴿ عَلَى الماء ﴾ ليس تحته شيءٌ غيرُه سواءٌ كان بينهما فُرجةٌ أو كان موضوعاً على متنه كما ورد في الأثر، فلا دلالةَ فيه على إمكان الخلاء، كيف لا ولو دلّ لدلّ على وجوده لا على إمكانه فقط ولا على كون الماءِ أولَ ما حدث في العالم بعد العرش، وإنما يدلّ على أن خلقَهما أقدمُ من خلق السموات والأرضِ من غير تعرضٍ للنسبة بينهما ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ ﴾ متعلقٌ بخلق أي خلق السمواتِ والأرضَ وما فيهما من المخلوقات التي من جملتها أنتم ورتب فيهما جميع ما تحتاجون إليه من مبادي وجودِكم وأسبابِ معايشِكم وأودع في تضاعيفهما من تعاجيب الصنائعِ والعبرِ ما تستدلون به على مطالبكم الدينيةِ ليعاملَكم معاملةَ من يبتليكم ﴿ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ فيحازيَكم بالثواب والعقاب غِبّ ما تبين المحسنُ من المسيء وامتازت درجاتُ أفرادِ كلَ من الفريقين


الصفحة التالية
Icon