المحقق الدواني في بعض تصانيفه أن إمكان الممكن وإن كان مستمراً في جميع الأزمنة لا يستلزم إمكان وجود ذلك الممكن في تلك الأزمنة، وعلى هذا اعتمد المتكلمون في الجواب عن استدلال الفلاسفة على قدم العالم بأنه ممكن الوجود في الأزل وإلا لزم الانقلاب وهو محال بالضرورة، وقدرة الباري تعالى أزلية بالاتفاق فلو كان العالم حادثاً لزم ترك الجود وهو إفاضة الوجود وما يتبعه من الكمالات على الممكنات مدة غير متناهية وهو محال على الجواد الحق الكريم وحاصل الجواب : أن قولكم العالم ممكن الوجود في الأزل إن أردتم به أنه يمكن له الوجود الأزلي على أن يكون في الأزل متعلقاً بالوجود فهو ممنوع لجواز أن يكون وجوده في الأزل ممتنعاً، وإن أردتم به أن إمكان وجوده في الجملة مستمر في الأزل على أن يكون الظرف متعلقاً بالإمكان فمسلم، ولا يلزم أن يكون وجود العالم في الأزل ممكناً لجواز أن يكون وجوده في الأزل مستحيلاً مع أنه في الأزل متصف بإمكان وجوده فيما لا يزال، وهذا ما يقال إنّ أزلية الإمكان لا تستلزم إمكان الأزلية، وما قيل في إثبات الاستلزام إن إمكانه إذا كان مستمراً في الأزل لم يكن هو في ذاته مانعاً من قبول الوجود في شيء من أجزاء الأزل فيكون عدم منعه منه أمراً مستمراً في جميع تلك الأجزاء، فإذا نظر إلى ذاته من حيث هو لم يمنع من اتصافه بالوجود في شيء منها بل جاز اتصافه به في كل منها بدلاً فقط بل معاً أيضاً، وجواز اتصافه في كل منها هو إمكان اتصافه بالوجود المستمر في جميع أجزاء الأزل بالنظر إلى ذاته فأزلية الإمكان مستلزمة لإمكان الأزلية صحيح إلى قوله : لم يمنع من اتصافه بالوجود في شيء منها فإنه إن أراد أن ذاته لا تمنع في شيء من أجزاء الأزل من الاتصاف بالوجود في الجملة بأن يكون قوله في شيء منها متعلقاً بعدم المنع فيكون معناه أنه لا يمنع في شيء من أجزاء الأزل من الوجود بعده فهو بعينه أزلية الإمكان ولا يلزم منه