وقال أبو السعود :
﴿ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ﴾
﴿ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ العذاب ﴾ المترتِّبَ على بعثهم أو العذابَ الموعود في قوله تعالى :﴿ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ وقيل : عذابُ يومِ بدر، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قتلُ جبريلَ عليه السلام للمستهزِئين، والظاهرُ أن المرادَ به العذابُ الشاملُ للكفرة دون ما يُخَصّ ببعض منهم، على أنه لم يكن موعوداً يستعجل منه المجرمون ﴿ إلى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ ﴾ إلى طائفة من الأيام قليلةٍ لأن ما يحصُره العدُّ قليلٌ ﴿ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ﴾ أي أيُّ شيءٍ يمنعه من المجيء فكأنه يريده فيمنعه مانعٌ وإنما كانوا يقولونه بطريق الاستعجالِ استهزاءً لقوله تعالى :﴿ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ ﴾ ومرادُهم إنكارُ المجيءِ والحبْسِ رأَساً لا الاعترافُ به والاستفسارُ عن حابسه ﴿ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ ﴾ ذلك ﴿ لَيْسَ مَصْرُوفاً ﴾ محبوساً ﴿ عَنْهُمْ ﴾ على معنى أنه لا يرفعه رافعٌ أبداً إن أريد به عذابُ الآخرة أو لا يدفعه عنكم دافعٌ بل هو واقعٌ بكم إن أريد به عذابُ الدنيا، ويومَ منصوبٌ بخبر ليس مقدماً عليه، واستدل به البصريون على جواز تقديمِه على ليس إذ المعمولُ تابعٌ للعامل فلا يقع إلا حيث يقعُ متبوعُه، ورُدَّ بأن الظرفَ يجوز فيه ما لا يجوز في غيره توسّعاً وبأنه قد يُقدّم المعمولُ حيث لا مجالَ لتقدم العامِلِ كما في قوله تعالى :﴿ فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السائل فَلاَ تَنْهَرْ ﴾ فإن اليتيمَ والسائلَ مع كونهما منصوبين بالفعلين المجزومين قد تقدما على لا الناهيةِ مع امتناع تقدمِ الفعلين عليهما. قال أبو حيان : وقد تتبعتُ جملةً من دواوين العربِ فلم أظفَرْ بتقديم خبرِ ليس عليها ولا بتقديمِ معمولِه إلا ما دل عليه ظاهرُ هذه الآيةِ الكريمةِ وقولُ الشاعر :
فيأبى فما يزدادُ إلا لجاجة... وكنتُ أبياً في الخنا لست أُقدِمُ