أعقب ذلك بقوله :﴿كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير﴾ [ هود : ١ ] ثم أتبع هذا بالإيماء إلى فصول ثلاثة عليها مدار آي كتب، وهي فصل الإلهية، وفصل الرسالة، وفصل التاكليف، أما الأول فأشار إليه قوله :﴿ألا تعبدوا إلا الله﴾ [ هود : ٢ ] وأما فصل الرسالة فأشار إليه قوله سبحانه :﴿إنني لكم منه نذير وبشير﴾ [ هود : ٢ ] وأما فصل التالكيف فأشار إليه قوله سبحانه ﴿وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه﴾ [ هود : ٣ ].
وهذه الفصول الثلاثة هي التي تدور عليها آي القرآن وعليها مدار السورة الكريمة، فلما حصل استيفاء ذلك كله فيما تقدم ولم يبق وجه شبهة للمعاند ولا تعلق للجاحد واتضح الحق وبان قال سبحانه وتعالى :﴿وجاءك في هذه الحق﴾ [ هود : ١٢٠ ] إشارة إلى كمال المقصود وبيان المطلوب واستيفاء التعريف بوضوح الطريق وقد وضح من هذا تلاء السورة الكريمة لما تقدمها، ومما يشهد لهذا - والله أعلم - قوله تعالى :﴿أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه﴾ [ هود : ١٧ ] وقوله تعالى :﴿فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا﴾ [ هود : ١١٢ ] فقد وضح طريقك وفاز بالفلاح حزبك وفريقك ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا﴾ [ هود : ١١٣ ] فقد عرفتم سبيلهم ومصيرهم فقد بان طريق الحق، وكيف ينكب من جزم سلوكه من الخلق! ونظيره قوله سبحانه ﴿وجاءك في هذه الحق﴾ [ هود : ١٢٠ ] عقب ما ذكر سبحانه ﴿لمن الملك اليوم﴾ [ غافر : ١٦ ] وقوله :﴿يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله﴾ [ الانفطار : ١٩ ] فتأمل ذلك والله المستعان - انتهى.