ثم إنه تعالى لما بين هذه الأحوال قال :﴿وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ والأمر كذلك، لأن من اشتغل بعبادة غير الله صار في الدنيا أعمى، ﴿مَن كَانَ فِى هذه أعمى فَهُوَ فِى الآخرة أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [ الإسراء : ٧٢ ] والذي يبين ذلك أن من أقبل على طلب الدنيا ولذاتها وطيباتها قوي حبه لها ومال طبعه إليها وعظمت رغبته فيها، فإذا مات بقي معه ذلك الحب الشديد والميل التام وصار عاجزاً عن الوصول إلى محبوبه، فحينئذ يعظم البلاء ويتكامل الشقاء، فهذا القدر المعلوم عندنا من عذاب ذلك اليوم، وأما تفاصيل تلك الأحوال فهي غائبة عنا ما دمنا في هذه الحياة الدنيوية.
ثم بين أنه لا بد من الرجوع إلى الله تعالى بقوله :﴿إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ على شَىْء قَدِيرٌ ﴾.
واعلم أن قوله :﴿إلى الله مَرْجِعُكُمْ﴾ فيه دقيقة، وهي : أن هذا اللفظ يفيد الحصر، يعني أن مرجعنا إلى الله لا إلى غيره، فيدل هذا على أن لا مدبر ولا متصرف هناك إلا هو والأمر كذلك أيضاً في هذه الحياة الدنيوية، إلا أن أقواماً اشتغلوا بالنظر إلى الوسائط فعجزوا عن الوصول إلى مسبب الأسباب، فظنوا أنهم في دار الدنيا قادرون على شيء، وأما في دار الآخرة، فهذا الحال الفاسد زائل أيضاً، فلهذا المعنى بين هذا الحصر بقوله :﴿إلى الله مَرْجِعُكُمْ ﴾.
ثم قال :﴿وَهُوَ على كُلّ شَيْء قَدِيرٌ﴾ وأقول إن هذا تهديد عظيم من بعض الوجوه وبشارة عظيمة من سائر الوجوه.