وقال ابن عاشور :
﴿ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ﴾
تفريع على قولِه ﴿ وَلَئِنْ قُلْت إنّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْد الْمَوْت إلَى قوله يَسْتَهْزئُون ﴾ [ هود : ٧، ٨ ] مِن ذكر تكذيبهم وعنادهم.
يشير هذا التّفريع إلى أنّ مضمون الكلام المفرع عليه سبب لتوجيه هذا التوقع لأنّ من شأن المفرع عليه اليأس من ارعوائهم لتكرر التكذيب والاستهزاء يأساً قد يَبْعَثُ على ترك دعائهم، فذلك كله أفيد بفاء التفريع.
والتوقع المستفاد من ( لعل ) مستعمل في تحذير من شأنه التبليغ.
ويجوز أن يقدّر استفهام حذفت أداته.
والتقدير : ألَعَلّكَ تارك.
ويكون الاستفهام مستعملاً في النفي للتحذير، وذلك نظير قوله تعالى :﴿ لَعَلّكَ بَاخِعٌ نفسك ألاّ يكونوا مؤمنين ﴾ [ الشعراء : ٣ ].
والاستفهام كناية عن بلوغ الحالة حداً يوجِبُ توقع الأمر المستفهَم عنه حتى أنّ المتكلّم يستفهم عن حصوله.
وهذا أسلوب يقصد به التحريك من همة المخاطب وإلهابُ همته لدفع الفتور عنه، فليس في هذا تجويز ترك النّبيّء ﷺ تبليغ بعض ما يوحى إليه، وذلك البعض هو مّا فيه دعوتهم إلى الإيمان وإنذارهم بالعذاب وإعلامهم بالبعث كما يدل عليه قوله تعالى في آية أخرى ﴿ وإذَا لَمْ تَأتِهِمْ بِآيَةٍ قَالوا لَوْلاَ اجْتَبَيْتهَا ﴾ [ الأعراف : ٢٠٣ ].
والمعنى تحذيره من التأثّر بعنادهم وتكذيبهم واستهزائهم، ويستتبع ذلك تأييسَ المشركين من تركه ذكر البعث والإنذار بالعذاب، فالخطاب مستعمل في حقيقته ومراد منه مع ذلك علم السامعين بمضمونه.
﴿ وضائق ﴾ : اسم فاعل من ضاق.
وإنما عدل عن أن يقال ( ضيّق ) هنا إلى ﴿ ضائق ﴾ لمراعاة النظير مع قوله :( تارك ) لأنّ ذلك أحسن فصاحة.


الصفحة التالية
Icon