وقال القرطبى :
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴾
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ مَن كَانَ ﴾ كان زائدة، ولهذا جزم بالجواب فقال :﴿ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ ﴾ قاله الفراء.
وقال الزجاج :﴿ مَنْ كَانَ ﴾ في موضع جزم بالشرط، وجوابه ﴿ نُوَفِّ إِلَيْهِمْ ﴾ أي من يَكُنْ يريد ؛ والأول في اللفظ ماض والثاني مستقبل، كما قال زهير :
وَمَنْ هَاب أسباب المنيةِ يَلْقَها...
ولو رامَ أسبابَ السَّماءِ بسُلَّمِ
واختلف العلماء في تأويل هذه الآية ؛ فقيل : نزلت في الكفار ؛ قاله الضحاك، واختاره النحاس ؛ بدليل الآية التي بعدها ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فيِ الآخَرِةِ إِلاَّ النَّارُ ﴾ أي من أتى منهم بصلة رَحِم أو صدقة نكافئه بها في الدنيا، بصحة الجسم، وكثرة الرزق، لكن لا حسنة له في الآخرة.
وقد تقدم هذا المعنى في "براءة" مستوفى.
وقيل : المراد بالآية المؤمنون ؛ أي من أراد بعمله ثواب الدنيا عُجل له الثواب ولم يُنقص شيئاً في الدنيا، وله في الآخرة العذاب لأنه جرد قصده إلى الدنيا، وهذا كما قال ﷺ :" إنما الأعمال بالنيات " فالعبد إنما يُعطى على وجه قصده، وبحكم ضميره ؛ وهذا أمر متفق عليه في الأمم بين كل مِلّة.
وقيل : هو لأهل الرياء ؛ وفي الخبر " أنه يقال لأهل الرياء : صُمتم وصلّيتم وتصدّقتم وجاهدتم وقرأتم ليقال ذلك فقد قيل ذلك ثم قال : إنّ هؤلاء أولُ من تُسْعَر بهم النار ".
رواه أبو هريرة، ثم بكى بكاء شديداً وقال : صدق رسول الله ﷺ، قال الله تعالى :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا ﴾ وقرأ الآيتين، خرّجه مسلم ( في صحيحه ) بمعناه والترمذيّ أيضاً.


الصفحة التالية
Icon