الثاني : أن هذا من حثه سبحانه وتعالى لنبيه ( ﷺ ) وتحريضه على أداء ما أنزله إليه والله سبحانه وتعالى من وراء ذلك في عصمته مما يخافه ويخشاه.
الثالث : أن الكفار كانوا يستهزئون بالقرآن ويضحكون منه وتهاونون به وكان رسول الله ( ﷺ ) يضيق صدره لذلك وأن يلقي إليهم ما لا يقبلونه ويستهزئون به فأمره الله سبحانه وتعالى بتبليغ ما أوحي إليه وأن لا يلتفت إلى استهزائهم وأن يتحمل هذا الضرر أهون من كتم شيء من الوحي، والمقصود من هذا الكلام التنبيه على هذه الدقيقة لأن الإنسان إذا علم أن كل واحد من طرفي الفعل والترك مشتمل على ضرر عظيم ثم علم أن الضرر في باب الترك أعظم سهل عليه الإقدام على الفعل، وقيل : إن الله سبحانه وتعالى مع علمه بأن رسول الله ( ﷺ ) لا يترك شيئاً من الوحي هيجه لأداء الرسالة وطرح المبالاة باستهزائهم وردهم إلى قبول قوله بقوله :﴿ فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ﴾ أي لعلك تترك أن تلقيه إليهم مخافة ردهم واستهزائهم به وضائق به صدرك أي بأن تتلوه عليهم ﴿ أن يقولوا ﴾ يعني مخافة أن يقولوا ﴿ لولا أنزل عليه كنز ﴾ يعني يستغني به وينفقه ﴿ أو جاء معه ملك ﴾ يعني يشهد بصدقه وقائل هذه المقالة هو عبد الله بن أمية المخزومي.
والمعنى أنهم قالوا لرسول الله ( ﷺ ) إن كانت صادقاً في قولك بأنك رسول الله الذي تصفه بالقدرة على كل شيء وأنت عزيز عنده مع أنك فقير فهلا أنزل عليك ما تستغني به أنت وأصحابك وهل أنزل عليك ملكاً يشهد لك بالرسالة فتزول الشبهة في أمرك فأخبر الله أنه ( ﷺ ) نذير بقوله :﴿ إنما أنت نذير ﴾ تنذر بالعقاب لمن خالفك وعصى أمرك وتبشر بالثواب لمن أطاعك وآمن بك وصدقك ﴿ والله على كل شيء وكيل ﴾ يعني أنه سبحانه وتعالى حافظ يحفظ أقوالهم وأعمالهم فيجازيهم عليها يوم القيامة. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٣ صـ ﴾