ولما كان النظر شديداً إلى بيان كذبهم وتكذيبهم، بولغ في تأكيد قوله :﴿وهم﴾ أي بضمائرهم وظواهرهم ؛ ولما كان تكذيبهم بالآخرة شديداً، قدم قوله :﴿بالآخرة﴾ وأعاد الضمير تأكيداً لتعيينهم وإثبات غاية الفساد لبواطنهم واختصاصهم بمزيد الكفر فقال :﴿هم كافرون﴾ أي عريقون في هذا الوصف ؛ والعرض : إظهار الشيء بحيث يرى للتوقيف على حالة، والصد : المنع بالإغراء الصارف عن الأمر ؛ والبغية : طلب أمر من الأمور، وهي إرادة وجدان المعنى بما يطمه فيه ؛ والعوج : العدول عن طريق الصواب، وهو في المعنى كالدين بالكسر، وفي غيره كالعود بالفتح فرقاً بين ما يرى وما لا يرى، جعلوا السهل للسهل والصعب للصعب ؛ روى البخاري في التفسير عن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال في النجوى :" يدنى المؤمن من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقرره بذنوبه : تعرف ذنب كذا؟ يقول : أعرف رب أعرف - مرتين، ويقول : سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم، ثم يطوي صحيفة حسناته، وأما الآخرون أو الكفار فينادي على رؤوس الأشهاد ﴿هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين﴾ ".
ولما هددهم بأمور الآخرة، أشار إلى بيان قدرته على ذلك في الدارين بقوله :﴿أولئك﴾ أي البعداء عن حضرة الرحمة ﴿لم يكونوا﴾ أي بوجه من الوجوه ﴿معجزين﴾ وأشار إلى عجزهم بأنهم لا يقدرون على بلوغ العالم العلوي بقوله :﴿في الأرض﴾ أي ما كان الإعجاز - وهو الامتناع من مراد الله - لهم ولا هو في قدرتهم، لأن قدره على جميع الممكنات على حد سواء.


الصفحة التالية
Icon