والثالث : إِلى البيِّنة.
قوله تعالى :﴿ ومِنْ قبله ﴾ في هذه الهاء ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها ترجع إِلى النبي ﷺ، قاله مجاهد.
والثاني : إِلى القرآن، قاله ابن زيد.
والثالث : إِلى الإِنجيل، أي : ومن قبل الإِنجيل ﴿ كتاب موسى ﴾ يتبع محمداً بالتصديق له، ذكره ابن الأنباري.
قال الزجاج : والمعنى : وكان من قبل هذا كتاب موسى دليلاً على أمر النبي ﷺ، فيكون "كتاب موسى" عطفا على قوله :﴿ ويتلوه شاهد منه ﴾ أي : ويتلوه كتاب موسى، لأن موسى وعيسى بشَّرا بالنبي ﷺ في التوراة والإِنجيل.
ونصب "إِماما" على الحال.
فإن قيل : كيف تتلوه التوراة، وهي قبله؟
قيل : لما بشَّرت به، كانت كأنها تالية له، لأنها تبعته بالتصديق له.
وقال ابن الأنباري :﴿ كتاب موسى ﴾، مفعول في المعنى، لأن جبريل تلاه على موسى، فارتفع الكتاب، وهو مفعول بمضمر بعده، تأويله : ومن قبله كتاب موسى كذاك، أي : تلاه جبريل أيضاً، كما تقول العرب : أكرمت أخاك وأبوك، فيرفعون الأب، وهو مكرَم على الاستئناف، بمعنى : وأبوك مكرَم أيضاً.
قال : وذهب قوم إِلى أن كتاب موسى فاعل، لأنه تلا محمداً بالتصديق كما تلاه الإِنجيل.
فصل
فتلخيص الآية : أفمن كان على بيِّنة من ربه كمن لم يكن؟ قال الزجاج : ترك المضادَّ له، لأن في ما بعده دليلاً عليه، وهو قوله :﴿ مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم ﴾ [ هود ٢٤ ].
وقال ابن قتيبة : لما ذكر قبل هذه الآية قوما ركنوا إِلى الدنيا، جاء بهذه الآية، وتقدير الكلام : أفمن كانت هذه حاله كمن يريد الدنيا؟ فاكتفى من الجواب بما تقدم، إِذ كان فيه دليل عليه.
وقال ابن الأنباري : إِنما حُذف لانكشاف المعنى، والمحذوف المقدَّر كثير في القرآن والشعر، قال الشاعر :
فأُقْسِمُ لَوْ شيءٌ أتانا رَسُولُه...
سِواكِ، وَلكِن لم نَجِدْ لكِ مَدْفعا