وقال الزجاج :"لم يكونوا معجزين في الأرض" أي : في دار الدنيا، ولا لهم ولي يمنع من انتقام الله، ثم استأنف ﴿ يضاعف لهم العذاب ﴾ لعظم كفرهم بنبيه وبالبعث والنشور.
قوله تعالى :﴿ ما كانوا يستطيعون السمع ﴾ فيمن عني بهذا قولان :
أحدهما : أنهم الكفار.
ثم في معناه ثلاثة أقوال :
أحدها : أنهم لم يقدروا على استماع الخير، وإِبصار الحق، وفعل الطاعة، لأن الله تعالى حال بينهم وبين ذلك، هذا معنى قول ابن عباس، ومقاتل.
والثاني : أن المعنى : يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يسمعونه، وبما كانوا يبصرون حُجج الله ولا يعتبرون بها، فحذف الباء، كما تقول العرب : لأجزينَّك ما عملت، وبما عملت، ذكره الفراء، وأنشد ابن الأنباري في الاحتجاج له :
نُغالي اللحمَ للأضياف نيِئا...
ونبذُله إِذا نضِجَ القُدورُ
أراد : نغالي باللحم.
والثالث : أنهم من شدة كفرهم وعداوتهم للنبي ﷺ ما كانوا يستطيعون أن يتفهموا ما يقول، قاله الزجاج.
والقول الثاني : أنهم الأصنام، فالمعنى : ما كان للآلهة سمع ولا بصر، فلم تستطع لذلك السمع، ولم تكن تبصر.
فعلى هذا، يرجع قوله :"ما كانوا" إِلى أوليائهم، وهي الأصنام، وهذا المعنى منقول عن ابن عباس أيضاً.
قوله تعالى :﴿ لا جرم ﴾
قال ابن عباس : يريد : حقاً إِنهم الأخسرون.
وقال الفراء :"لا جرم" كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة، فجرت على ذلك، وكثر استعمالهم إِياها حتى صارت بمنزلة "حقا"، ألا ترى أن العرب تقول : لا جرم لآتينَّك، لا جرم لقد أحسنت، وأصلها من جرمتُ، أي : كسبت الذنب.
قال الزجاج : ومعنى "لا جرم" :"لا" نفي لما ظنوا أنه ينفعهم، كأن المعنى : لا ينفعهم ذلك جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون، أي : كسب لهم ذلك الفعلُ الخسرانَ.


الصفحة التالية
Icon