وقال أبو السعود :
ولما ذُكر فريقُ الكفارِ وأعمالُهم وبيّن مصيُرهم ومآلُهم شُرع في بيان حالِ أضدادِهم أعني فريقَ المؤمنين وما يؤول إليه أمرُهم من العواقب الحميدةِ تكملةً لما سلف من محاسنهم المذكورة في قوله تعالى :﴿ أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ ﴾ الآية، ليتبينَ ما بينهما من التباين البيِّنِ حالاً ومآلاً فقيل :﴿ إِنَّ الذين ءامَنُواْ ﴾ أي بكل ما يجب أن يؤمَن به فيندرج تحتَه ما نحن بصدده من الإيمان بالقرآن الذي عبّر عنه بالكون على بينة من الله وإنما يحصُل ذلك باستماع الوحي والتدبرِ فيه ومشاهدةِ ما يؤدِّي إلى ذلك في الأنفس والآفاقِ، أو فعلوا الإيمان كما في يُعطي ويمنع ﴿ وَعَمِلُواْ الصالحات وَأَخْبَتُواْ إلى رَبّهِمْ ﴾ أي اطمأنوا إليه وانقطعوا إلى عبادته بالخضوع والتواضعِ من الخَبْت وهي الأرضُ المطمئنة ومعنى أخبت دخل في الخَبْت. وأنجدَ دخلَ في تِهامةَ ونجدٍ ﴿ أولئك ﴾ المنعوتون بتلك النعوتِ الجميلة ﴿ أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون ﴾ دائمون وبعد بيانِ تباينِ حاليهما عقلاً أريد بيانُ تبايُنِهما حِساً فقيل :
﴿ مَثَلُ الفريقين ﴾
المذكورين أي حالُهما العجيبُ لأن المثَلَ لا يُطلق إلا على ما فيه غرابةٌ من الأحوال والصفات ﴿ كالاعمى والاصم والبصير والسميع ﴾ أي كحال هؤلاءِ فيكون ذواتُهم كذواتهم، والكلامُ وإن أمكن أن يُحمَلَ على تشبيه الفريقِ الأولِ بالأعمى وبالأصمِّ وتشبيهِ الفريقِ الثاني بالبصير وبالسميع لكن الأدخلَ في المبالغة والأقربَ إلى ما يشير إليه لفظُ المثل والأنسبَ بما سبق من وصف الكفرةِ بعدم استطاعةِ السمع وبعدم الإبصارِ، أن يُحمل على تشبيه الفريقِ الأولِ بمن جمع بين العَمى والصمَم، وتشبيهُ الفريقِ الثاني بمَن جمع بين البصر والسمع على أن تكون الواوُ في قوله تعالى :﴿ والاصم ﴾ وفي قوله :﴿ والسميع ﴾ لعطف الصفةِ على الصفة كما في قول من قال :