ابن أخيه لوط، وأنه لما تحقق حتم الأمر وبت الحكم سلم لربه مع كونه حليماً أواهاً منيباً إلى غير ذلك مما يؤمىء إليه سياق القصص، فكأنه قيل : إنما أنت نذير أرسلناك لتبلغ ما أرسلت به من الإنذار وإن شق عليهم وعزتنا لقد أرسلنا من قبلك رسلاً منذرين فدعوا إلى ما أمرت بالدعوة إليه وأنذروهم ما يشق عليهم من بأسنا امتثالاً لأمرنا وما تركوا شيئاً منه خوفاً من إعراض ولا رجاء في إقبال على أن أممهم قالوا لهم ما قالت لك أمتك كما يشير إليه قوله تعالى عن نوح :﴿ولا أقول لكم عندي خزائن الله﴾ - الآية، وقد كان في المخالفين من أممهم القريب منهم نسبه والعزيز عليهم أمره من ابن وصاحبة وغيرهما، هذا مع أن قصصهم دليل على قوله تعالى :﴿ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم﴾ وزجر لهم عن مثل قولهم :﴿ما يحبسه﴾ وتأييد لقوله :﴿ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة﴾ - وغير ذلك مما تقدم، فقد علم من هذا الوجهُ في تكرير هذه القصص، وأنه في كل سورة لمقصد يخالف المقصد في غيرها وإن كان يستفاد من ذلك فوائد أخر : منها إظهار القدرة في بيان الإعجاز بتصريف المعنى في الوجوه المختلفة لما في ذلك من علو الطبقة في البلاغة لأنه ربما قال متعنت عند التحدي : قد استوفى اللفظ البليغ على الأسلوب الأكمل البديع في هذه القصص فلم تبق لنا ألفاظ نعبر بها عن هذه المعاني حتى نأتي بمثل هذه القصة ؛ فأتى بها ثانياً إظهاراً لعجزه وقطعاً لحجته، وربما كررت ثالثاً ورابعاً توكيداً لذلك وتمكيناً للاعتبار بضروب البيان وتصبيراً للنبي ـ ﷺ ـ على أذى قومه حالاً فحالاً، فإن قيل : فما بالها تأتي تارة في غاية البسط وتارة في غاية الإيجاز وتارة على الوسط؟ قيل : هذا من أعلى درجات البلاغة وأجل مراتب الفصاحة والبراعة، فإن قبل : فإنا نرى القصة تبسط في بعض السور غاية البسط ثم توجز في غيرها غاية الإيجاز ويؤتي فيها ما لم يؤت في المبسوطة كما في العنكبوت


الصفحة التالية
Icon