ولما كانوا لا يعظون إلا بالتوسع في الدنيا، قالوا :﴿وما نرى لكم﴾ أي لك ولمن تبعك ﴿علينا﴾ وأغرقوا في النفي بقولهم :﴿من فضل﴾ أي شرف ولا مال، وهذا - مع مامضى من قولهم - قول من يعرف الحق بالرجال ولا يعرف الرجال بالحق، وذلك أنه يستدل على كون الشيء حقاً بعظمة متبعه في الدنيا، وعلى كونه باطلاً بحقارته فيها، ومجموع قولهم يدل على أنهم يريدون : لو صح كون النبوة في البشر لكانت في واحد ممن أقروا له بالعلو في الأرض، وعمل ﴿اتبعك﴾ في ﴿بادي﴾ يمنعه تمادي الاتباع على الإيمان، فانتفى الطعن بعدم التأمل ﴿بل نظنكم كاذبين﴾ أي لكم هذا الوصف لازماً دائماً لأنكم لم تتصفوا بما جعلناه مظنة الاتباع مما يوجب العظمة في القلوب والانقياد للنفوس بالتقدم في الدنيا بالمال والجاه ؛ فكان داؤهم بطر الحق وغمط الناس، وهو احتقارهم، وهذا قد سرى إلى أكثر أهل الإسلام، فصاروا لا يعظمون إلا بذلك، وهو أجهل الجهل لأن الرسل أتت للتزهيد في الدنيا وانظر إلى رضاهم لأنفسهم بالعدول عن البينة إلى اتباع الظن ما أردأه! وهذا افظع مما حكى هنا من قوله قريش ﴿لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك﴾ وأبشع ؛ والبشر : الإنسان لظهور بشرته أي ظاهر جلده لأن الغالب على غيره من الحيوان سترها بالصوف أو الشعر أو الوبر أو الريش ؛ والمثل : الساد مسد غيره في الحس بمعنى أنه لو ظهر للمشاهدة لسد مسده ؛ والرذل : الحقير بما عليه من صفات النقص وجمعه ؛ والفضل : الزيادة من الخير، والإفضال : مضاعفة الخير التي توجب الشكر. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٥١٩ ـ ٥٢٣﴾


الصفحة التالية
Icon