ثم حكى الله تعالى عنهم الشبهة الأولى، وهي قولهم :﴿مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مّثْلَنَا﴾ وهو مثل ما حكى الله تعالى عن بعض العرب أنهم قالوا :﴿لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ [ الأنعام : ٨ ] وهذا جهل، لأن من حق الرسول أن يباشر الأمة بالدليل والبرهان والتثبت والحجة، لا بالصورة والخلقة، بل نقول : إن الله تعالى لو بعث إلى البشر ملكاً لكانت الشبهة أقوى في الطعن عليه في رسالته لأنه يخطر بالبال أن هذه المعجزات التي ظهرت لعل هذا الملك هو الذي أتى بها من عند نفسه بسبب أن قوته أكمل وقدرته أقوى، فلهذه الحكمة ما بعث الله إلى البشر رسولاً إلا من البشر.
ثم حكى الشبهة الثانية وهي قوله :﴿وَمَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ الرأى﴾ والمراد منه قلة ما لهم وقلة جاههم ودناءة حرفهم وصناعتهم هذا أيضاً جهل، لأن الرفعة في الدين لا تكون بالحسب والمال والمناصب العالية، بل الفقر أهون على الدين من الغنى، بل نقول : الأنبياء ما بعثوا إلا لترك الدنيا والإقبال على الآخرة فكيف تجعل قلة المال في الدنيا طعناً في النبوة والرسالة.
ثم حكى الله تعالى الشبهة الثالثة وهي قوله :﴿وَمَا نرى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾ وهذا أيضاً جهل، لأن الفضيلة المعتبرة عند الله ليست إلا بالعلم والعمل، فكيف اطلعوا على بواطن الخلق حتى عرفوا نفي هذه الفضيلة، ثم قالوا بعد ذكر هذه الشبهات لنوح عليه السلام ومن اتبعه ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذبين﴾ وفيه وجهان : الأول : أن يكون هذا خطاباً مع نوح ومع قومه، والمراد منه تكذيب نوح في دعوى الرسالة.
والثاني : أن يكون هذا خطاباً مع الأراذل فنسبوهم إلى أنهم كذبوا في أن آمنوا به واتبعوه.
المسألة الثانية :
قال الواحدي : الأرذل جمع رذل وهو الدون من كل شيء في منظره وحالاته ورجل رذل الثياب والفعل.