وقال الآلوسى :
ثم إنه تعالى لما ذكر طريق الكفار وأعمالهم وبين مصيرهم وما له شرع في شرح حال أضدادهم وهم المؤمنون وبيان ما لهم من العواقب الحميدة تكملة لما سلف من محاسن المؤمنين المذكورة عند جمع في قوله سبحانه :﴿ أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّهِ ﴾ [ هود : ١٧ ] الآية ليتبين ما بينهما من التباين البين حالا ومآلا
فقال عز من قائل :
﴿ إِنَّ الذين ءامَنُواْ ﴾ أي صدقوا بكل ما يجب التصديق به من القرآن وغيره ولا يكون ذلك إلا باستماع الحق ومشاهدة الآيات الآفاقية والأنفسية والتدبر فيها، أو المعنى فعلوا الإيمان واتصفوا به كما في فلان يعطى ويمنع ﴿ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ أي الأعمال الصالحات ولعل المراد بها ما يشمل الترغيب في سلوك سبيل الله عز وجل ونحوه مما على ضده فريق الكفار ﴿ وَأَخْبَتُواْ إلى رَبّهِمْ ﴾ أي اطمؤنوا إليه سبحانه وخشعوا له، وأصل الإخبات نزول الخبت وهو المنخفض من الأرض، ثم أطلق على اطمئنان النفس والخشوع تشبيهاً للمعقول بالمحسوس ثم صار حقيقة فيه، ومنه الخبيت بالتاء المثناة للدنىء، وقيل : إن التاء بدل من الثاء المثلثة ﴿ أولئك ﴾ المنعوتون بتلك النعوت الجلية الشأن ﴿ أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون ﴾ دائمون أبداً وليس المراد حصر الخلود فيهم لأن العصاة من المؤمنين يدخلون الجنة عند أهل الحق ويخلدون فيها، ولعل من يدعى ذلك يريد بنفي الخلود عن العصاة نقصه من أوله كما قيل به فيما ستسمعه إن شاء الله تعالى :
﴿ مَثَلُ الفريقين ﴾ المذكورين من المؤمنين والكفار أي حالهما العجيب، وأصل المثل كالمثل النظير، ثم استعير لقول شبه مضربه بمورده ولا يكون إلا لما فيه غرابة وصار في ذلك حقيقة عرفية، ومن هنا يستعار للقصة والحال والصفة العجيبة.


الصفحة التالية
Icon