وقال الخازن :
قوله :﴿ ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إني لكم نذير مبين ﴾
يعني أن نوحاً عليه السلام قال لقومه حين أرسله الله إليهم إني لكم أيها القوم نذير مبين يعني بين النذارة أخوف بالعقاب من خالفة أمر الله وعبد غيره ؛ وهو قوله سبحانه وتعالى :﴿ أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ﴾ يعني مؤلم موجع قال ابن عباس : بعث نوح بعد أربعين سنة ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان ستين سنة فكان عمره ألفاً وخمسين سنة.
وقال مقاتل : بعث وهو ابن مائة سنة وقيل وهو ابن خمسين سنة وقيل وهو ابن مائتين وخمسين سنة ومكث يدعو يومه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فكان عمره ألفاً وأربعمائة وخمسين سنة.
﴿ فقال الملأ الذين كفروا من قومه ﴾
يعني الأشراف والرؤساء من قوم نوح ﴿ ما نراك ﴾ يا نوح ﴿ إلا بشراً مثلنا ﴾ يعني آدمياً مثلنا لا فضل لك علينا لأن التفاوت الحاصل بني آحاد البشر يمتنع اشتهاره إلى حيث يصير الواحد منهم واجب الطاعة على جميع العالم وإنما قالوا هذه المقالة وتمسكوا بهذه الشبهة جهلاً منهم لأن من حق الرسول أن يباشر الأمة بالدعوة إلى الله تعالى بإقامة الدليل والبرهان على ذلك ويظهر المعجزة الدالة على صدقه ولا يأتي ذلك إلا من آحاد البشر وهو من اختصه الله بكرامته وشرفه بنبوته وأرسله إلى عباده ثم قال سبحانه وتعالى إخباراً عن قوم نوح ﴿ وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ﴾ يعني سفلتنا والرذل الدون من كل شيء قيل هم الحاكة والأساكفة وأصحاب الصنائع الخسيسة وإنما قالاو ذلك جهلاً منهم أيضاً لأن الرفعة في الذين ومتابعة الرسول لا تكون بالشرف ولا بالمال والمناصب العالية بل للفقراء الخاملين وهم أتباع الرسل ولا يضرهم خسة صنائعهم إذا حسنت سيرتهم في الدين ﴿ بادي الرأي ﴾ يعني أنهم اتبعوك في أول الرأي من غير تثبت وتفكر في أمرك، ولو تفكروا ما اتبعوك.


الصفحة التالية
Icon