إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي ٦ : ٥٧ وَقَوْلِهِ :(قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) (٧ : ١٠٥) فَالْأُولَى مَا عَلِمَ هُوَ بِهِ أَنَّهُ رَسُولٌ مِنْ رَبِّهِ بِوَحْيِهِ إِلَيْهِ، وَبِإِظْهَارِهِ عَلَى مَا شَاءَ مِنْ رُؤْيَةِ مَلَكِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ، وَالثَّانِيَةُ مَا آتَاهُ مِنَ الْحُجَّةِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى قَوْمِهِ كَقَوْلِهِ :(وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ) (٦ : ٨٣) أَوْ مَا آتَاهُ مِنْ آيَةٍ كَوْنِيَّةٍ تَسْتَخْذِي لَهَا أَنْفُسُهُمْ، وَتَنْقَطِعُ بِهَا مُكَابَرَتُهُمْ.
وَكَانَ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُطْلِقُ الْبَيِّنَةَ تَارَةً عَلَى الْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، وَتَارَةً عَلَى آيَتِهِ الْكُبْرَى الْجَامِعَةِ لِلْبَرَاهِينِ الْكَثِيرَةِ وَهِيَ الْقُرْآنُ، قَالَ تَعَالَى لَهُ :(قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) (٦ : ٥٧) وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ بَعْدَ ذِكْرِ مُوسَى وَالتَّوْرَاةِ :(وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهَدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ) (٦ : ١٥٥ - ١٥٧) فَهَذَا
السِّيَاقُ يُشْبِهُ سِيَاقَ الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا.
وَفِي الْمُرَادِ بِصَاحِبِ الْبَيِّنَةِ فِيهَا وَجْهَانِ :


الصفحة التالية
Icon