والفريقان هما المعهودان في الذكر في هذا الكلام، وهما فريق المشركين وفريق المؤمنين، إذ قد سبَق ما يؤذن بهذين الفريقين من قوله :﴿ ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً ﴾ [ هود : ١٨ ].
ثم قوله :﴿ إنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم ﴾ [ هود : ٢٣ ] الآية.
والفريق : الجماعة التي تفارق، أي يخالف حالها حال جماعة أخرى في عمل أو نحلة.
وتقدم عند قوله تعالى :﴿ فأيّ الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ﴾ في سورة [ الأنعام : ٨١ ].
شبه حال فريق الكفار في عدم الانتفاع بالنظر في دلائل وحدانية الله الواضحة من مخلوقاته بحال الأعمى، وشبهوا في عدم الانتفاع بأدلة القرآن بحال من هو أصم.
وشبه حال فريق المؤمنين في ضد ذلك بحال من كان سليم البصر، سليم السمع فهو في هدى ويقين من مدركاته.
وترتيب الحالين المشبه بهما في الذكر على ترتيب ذكر الفريقين فيما تقدم ينبىء بالمراد من كل فريق على طريقة النشر المرتب.
والترتيب في اللف والنشر هو الأصل والغالب.
وقد علم أن المشبهين بالأعمى والأصم هم الفريق المقول فيهم ﴿ ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ﴾ [ هود : ٢٠ ].
والواو في قوله :﴿ والأصَم ﴾ للعطف على ﴿ الأعمى ﴾ عطف أحد المشبهين على الآخر.
وكذلك الواو في قوله :﴿ والسميع ﴾ للعطف على ﴿ البصير ﴾.
وأما الواو في قوله :﴿ والبصير ﴾ فهي لعطف التشبيه الثاني على الأول، وهو النشر بعد اللف.
فهي لعطف أحد الفريقين على الآخر، والعطف بها للتقسيم والقرينة واضحة.
وقد يظن الناظر أن المناسب ترك عطف صفة ﴿ الأصم ﴾ على صفة ﴿ الأعمى ﴾ كما لم يعطف نظيراهما في قوله تعالى :﴿ صُمٌ بُكْمٌ عُمْيٌ ﴾ في سورة [ البقرة : ١٨ ] ظناً بأن مورد الآيتين سواء في أن المراد تشبيه من جمعوا بين الصفتين.
وذلك أحد وجهين ذكرهما صاحب الكشاف.
وقد أجاب أصحاب حواشي الكشاف بأن العطف مبني على تنزيل تغاير الصفات منزلة تغاير الذوات.


الصفحة التالية
Icon