وكلمة ﴿ الفريقين ﴾ جاءت في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها ؛ لأن كل فرقة تضم جماعة مختلفة عن الجماعة الأخرى، ولهؤلاء متعصبون، وللآخرين متعصبون.
ويضرب الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية المثل بسَيِّدَي الحواس الإداركية في الإنسان، وهما السمع والبصر، فهما المصدران الأساسيان عند الإنسان لأخذ المعلومات، إما مسموعة، أو مرئية، ثم تتكون لدى الإنسان قدرة الاستنباط والتوليد مما سمعه بالأذن ورآه بالعين.
ولذلك قال لنا الحق سبحانه :
﴿ والله أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [ النحل : ٧٨ ].
إذن فما دام الحق سبحانه قد جعل السمع و الأبصار والأفئدة مصادر تأتي منها ثمرة، هي المعلومات وتمحيصها، فالحق سبحانه يستحق الشكر عليها.
ونحن نعلم أن الطفرات الحضارية وارتقاءات العلم، إنما تأتي بمن سمع ومن رأى، ثم جاءت من الاستنباط أفكار تطبيقية تفيد البشرية.
ومثال ذلك : هو من رأى إناء طعام وله غطاء، وكان بالإناء ماء يغلي، فارتفع الغطاء عن الإناء.
هذا الإنسان اكتشف طاقة البخار، واستنبط أن البخار يحتاج حيِّزاً أكبر من حيز السائل الموجود في الإناء ؛ لذلك ارتفع الغطاء عن الإناء، وارتقى هذا الاكتشاف ليطور كثيراً من أوجه الحياة.
ولو أن كل إنسان وقف عند ما يسمعه أو يراه ولم يستنبط منه شيئاً لما تطورت الحياة بكل تلك الارتقاءات الحضارية.
وهنا يقول الحق سبحانه :
﴿ مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ﴾ [ هود : ٢٤ ].
ولن يشك كل من الأعمى أو الأصم أن من يرى أو من يسمع هو خير منه، ولا يمكن أن يستوي الأعمى بالبصير، أو الأصم بمن يسمع.


الصفحة التالية
Icon