﴿ واصنع الفلك بِأَعْيُنِنَا ﴾ عطف على ﴿ فَلاَ تَبْتَئِسْ ﴾ [ هود : ٣٦ ] والأمر قيل : للوجوب إذ لا سبيل إلى صيانة الروح من الغرق إلا به فيجب كوجوبها، وقيل : للإباحة وليس بشيء، وأل في ﴿ الفلك ﴾ إنا للجنس أو للعهد بناءاً على أنه أوحى إليه عليه السلام من قبل أن الله سبحانه سيهلكهم بالغرق وينجيه ومن معه بشيء يصنعه بأمره تعالى من شأنه كيت وكيت واسمه كذا، والباء للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال من الفاعل، والأعين حقيقة في الجارحة وهي جارية مجرى التمثيل كأن لله سبحانه أعيناً تكلؤه من تعدى الكفرة ومن الزيغ في الصنعة، والجمع للمبالغة، وقد انسلخ عنه لإضافته على ما قيل.
معنى القلة وأريد به الكثرة، وحينئذ يقوي أمر المبالغة، وزعم بعضهم أن الأعين بمعنى الرقباء وأن في ذلك ما هو من أبلغ أنواع التجريد، وذلك أنهم ينتزعون من نفس الشيء آخر مثله في صفته مبالغة بكمالها كما أنشد أبو علي
: أفات بنو مروان ظلماً دماءنا...
وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل
وقد جرد ههنا من ذات المهيمن جماعة الرقباء وهو سبحانه الرقيب نفسه، وقيل : إن ملابسة العين كناية عن الحفظ وملابسة الأعين لمكان الجمع كناية عن كمال الحفظ والبمالغة فيه، ونظير ذلك بسط اليد وبسط اليدين، فإن الأول كناية عن الجود والثاني عن المبالغة فيه، وجوز أن يكون المراد الحفظ الكامل على طريقة المجاز المرسل لما أن الحفظ من لوازم الجارحة، وقيل : المراد من أعيننا ملائكتنا الذين جعلناهم عيوناً على مواضع حفظك ومعونتك، والجمع حينئذ على حقيقته لا للمبالغة، ويفهم من صنيع بعضهم أن هذا من المتشابه، والكلام فيه شهير، ففي الدر المنثور عند الكلام على هذه الآية.