معنى ﴿فار﴾ نبع على قوة وشدة تشبيهاً بغليان القدر عند قوة النار ولا شبهة في أن نفس التنور لا يفور فالمراد فار الماء من التنور، والذي روي أن فور التنور كان علامة لهلاك القوم لا يمتنع لأن هذه واقعة عظيمة، وقد وعد الله تعالى المؤمنين النجاة فلا بد وأن يجعل لهم علامة بها يعرفون الوقت المعين، فلا يبعد جعل هذه الحالة علامة لحدوث هذه الواقعة.
المسألة الخامسة :
قال الليث : التنور لفظة عمت بكل لسان وصاحبه تنار، قال الأزهري : وهذا يدل على أن الاسم قد يكون أعجمياً فتعربه العرب فيصير عربياً، والدليل على ذلك أن الأصل تنار ولا يعرف في كلام العرب تنور قبل هذا، ونظيره ما دخل في كلام العرب من كلام العجم الديباج والدينار والسندس والاستبرق فإن العرب لما تكلموا بهذه الألفاظ صارت عربية.
واعلم أنه لما فار التنور فعند ذلك أمره الله تعالى بأن يحمل في السفينة ثلاثة أنواع من الأشياء.
فالأول : قوله :﴿قُلْنَا احمل فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثنين﴾ قال الأخفش : تقول الاثنان هما زوجان قال تعالى :﴿وَمِن كُلّ شَىْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ [ الذاريات : ٤٩ ] فالسماء زوج والأرض زوج والشتاء زوج والصيف زوج والنهار زوج والليل زوج، وتقول للمرأة هي زوج وهو زوجها قال تعالى :﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [ النساء : ١ ] يعني المرأة، وقال :﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى﴾ [ النجم : ٤٥ ] فثبت أن الواحد قد يقال له : زوج ومما يدل على ذلك قوله تعالى :﴿ثمانية أزواج مّنَ الضأن اثنين وَمِنَ المعز اثنين وَمِنَ الإبل اثنين وَمِنَ البقر اثنين﴾ [ الأنعام : ١٤٣ ].


الصفحة التالية
Icon