وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ وكلمَّا مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ﴾
فيه قولان :
أحدهما : أنهم رأوه يبني السفينة وما رأوا سفينة قط، فكانوا يسخرون ويقولون : صرت بعد النبوَّة نجاراً؟ وهذا قول ابن إِسحاق.
والثاني : أنهم قالوا له : ما تصنع؟ فقال : أبني بيتا يمشي على الماء، فسخروا من قوله، وهذا قول مقاتل.
وفي قوله :﴿ إِن تسخروا منا فانا نسخر منكم ﴾ خمسة أقوال.
أحدها : إِن تسخروا من قولنا فانا نسخر من غفلتكم.
والثاني : إِن تسخروا من فعلنا عند بناء السفينة، فانا نسخر منكم عند الغرق، ذكره المفسرون.
والثالث : إِن تسخروا منا في الدنيا، فانا نسخر منكم في الآخرة، قاله ابن جرير.
والرابع : إِن تستجهلونا، فانا نستجهلكم، قاله الزجاج.
والخامس : إِن تسخروا منا، فانا نستنصر الله عليكم، فسمى هذا سخرية، ليتفق اللفظان كما بينا في قوله :﴿ الله يستهزىء بهم ﴾ [ البقرة : ١٥ ]، هذا قول ابن الأنباري.
قال ابن عباس : لم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر و لا بحر، فلذلك سخروا منه، وإِنما مياه البحار بقية الطوفان.
قوله تعالى :﴿ فسوف تعلمون ﴾
هذا وعيد، ومعناه : فسوف تعلمون من هو أحق بالسخرية، ومن هو أحمد عاقبة.
قوله تعالى :﴿ من يأتيه عذاب يخزيه ﴾ أي : يُذلُّه، وهو الغرق.
﴿ ويحل عليه ﴾ أي : ويجب عليه ﴿ عذاب مقيم ﴾ في الآخرة.
قوله تعالى :﴿ حتى إِذا جاء أمرنا ﴾
فيه قولان :
أحدهما : جاء أمرنا بعذابهم وإِهلاكهم.
والثاني : جاء عذابنا و هو الماء، ابتدأ بجنبات الأرض فدار حولها كالإِكليل، وجعل المطر ينزل من السماء كأفواه القرب، فجعلت الوحوش يطلبن وسط الأرض هربا من الماء حتى اجتمعن عند السفينة، فحينئذ حمل فيها من كل زوجين اثنين.
قوله تعالى :﴿ وفار التَنُّورُ ﴾ الفور : الغليان ؛ والفوَّارة : ما يفور من القِدْر، قاله ابن فارس.