وقال أبو حيان :
﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ﴾
ويصنع الفلك حكاية حال ماضية، والفلك السفينة.
ولما أمره تعالى بأن يصنع الفلك قال : يا رب ما أنا بنجار، قال : بلى، ذلك بعيني.
فأخذ القدوم، وجعلت يده لا تخطىء، فكانوا يمرون به ويقولون : هذا الذي يزعم أنه نبي صار نجاراً؟ وقيل : كانت الملائكة تعلمه، واستأجر أجراء كانوا ينحتون معه، وأوحى الله إليه أن عجل عمل السفينة فقد اشتد غضبي على من عصاني، وكان سام وحام ويافث ينحتون معه، والخشب من الساج قاله : قتادة، وعكرمة، والكلبي.
قيل : وغرسه عشرين سنة.
وقيل : ثلاثمائة سنة يغرس ويقطع وييبس.
وقال عمرو بن الحرث : لم يغرسها بل قطعها من جبل لبنان.
وقال ابن عباس : من خشب الشمشار، وهو البقص قطعة من جبل لبنان.
واختلفوا في هيئتها من التربيع والطول، وفي مقدار مدة عملها، وفي المكان الذي عملت فيه، ومقدار طولها وعرضها، على أقوال متعارضة لم يصح منها شيء.
وسخريتهم منه لكونهم رأوه يبني السفينة ولم يشاهدوا قبلها سفينة بنيت، قالوا : يا نوح ما تصنع؟ قال : ابني بيتاً يمشي على الماء، فعجبوا من قوله وسخروا منه قاله : مقاتل.
وقيل : لكونه يبني في قرية لا قرب لها من البحر، فكانوا يتضاحكون ويقولون : يا نوح صرت نجاراً بعدما كنت نبياً.
وكلما ظرف العامل فيه سخروا منه، وقال : مستأنف على تقدير سؤال سائل.
وجوزوا أن يكون العامل قال : وسخروا صفة لملا، أو بدل من مرّ، ويبعد البدل لأنّ سخر ليس في معنى مرّ لا يراد ذا ولا نوعاً منه.