وقال ابن كثير :
﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ﴾
يخبر تعالى أنه أوحى إلى نُوح لما استعجل قومُه نقمة الله بهم وعذابه لهم، فدعا عليهم نوحُ دعوته التي قال الله تعالى مخبرًا عنه أنه قال :﴿ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ [نوح : ٢٦]، ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴾ [القمر : ١٠]، فعند ذلك أوحى الله تعالى إليه :﴿ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ ﴾ فلا تحزن عليهم ولا يَهُمَّنك أمرهم.
﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ ﴾ يعني : السفينة ﴿ بِأَعْيُنِنَا ﴾ أي : بمرأى منا، ﴿ وَوَحْيِنَا ﴾ أي : وتعليمنا لك ماذا تصنعه، ﴿ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ﴾.
فقال بعض السلف : أمره الله تعالى أن يغرِز الخشب ويقطِّعه وييبسه، فكان ذلك في مائة سنة، ونَجَرها في مائة سنة أخرى، وقيل : في أربعين سنة، فالله أعلم.
وذكر محمد بن إسحاق عن التوراة : أن الله أمره أن يصنعها من خشب الساج، وأن يجعل طولها ثمانين ذراعا وعرضها خمسين ذراعا.
وأن يطلي باطنها وظاهرها بالقار، وأن يجعل لها جؤجؤا أزور يشق الماء. وقال قتادة : كان طولها ثلاثمائة ذراع، في عرض خمسين.
وعن الحسن : طولها ستمائة ذراع وعرضها ثلاثمائة ذراع.
وعنه مع ابن عباس : طولها ألف ومائتا ذراع، في عرض ستمائة.
وقيل : طولها ألفا ذراع، وعرضها مائة ذراع، فالله أعلم.
قالوا كلهم : وكان ارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعا، ثلاث طبقات، كل طبقة عشرة أذرع، فالسفلى للدواب والوحوش : والوسطى للإنس : والعليا للطيور. وكان بابها في عرضها، ولها غطاء من فوقها مطبق عليها.