وقد أكذبوا شيخهم اللعين إبليس على ما بيّنّاه في "الأعراف" في إغواء الله تعالى إيّاه حيث قال :﴿ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي ﴾ [ الأعراف : ١٦ ] ولا محيص لهم عن قول نوح عليه السلام :﴿ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ﴾ فأضاف إغواءهم إلى الله سبحانه وتعالى ؛ إذ هو الهادي والمضل ؛ سبحانه عما يقول الجاحدون والظالمون عُلُوًّا كبيراً.
وقيل :﴿ أَنْ يُغْوِيَكُمْ ﴾ يهلككم ؛ لأن الإضلال يُفضي إلى الهلاك.
الطَّبريّ :﴿ يُغْوِيَكُمْ ﴾ يهلككم بعذابه ؛ حكي عن طيء : أصبح فلان غاوياً أي مريضاً، وأغويته أهلكته ؛ ومنه ﴿ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ ﴿ هُوَ رَبُّكُمْ ﴾ فإليه الإغواء، وإليه الهداية.
﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ تهديد ووعيد.
قوله تعالى :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افتراه ﴾ يعنون النبي صلى الله عليه وسلم.
افترى افتعل ؛ أي اختلق القرآن من قِبل نفسه، وما أخبر به عن نوح وقومه ؛ قاله مقاتل.
وقال ابن عباس : هو من محاورة نوح لقومه وهو أظهر ؛ لأنه ليس قبله ولا بعده إلا ذكر نوح وقومه ؛ فالخطاب منهم ولهم.
﴿ قُلْ إِنِ افتريته ﴾ أي اختلقته وافتعلته، يعني الوحي والرسالة.
﴿ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي ﴾ أي عقاب إجرامي، وإن كنت مُحقاً فيما أقوله فعليكم عقاب تكذيبي.
والإجرام مصدر أجرم ؛ وهو اقتراف السَّيئة.
وقيل ( المعنى ) : أي جزاء جُرْمي وكَسْبي.
وجَرَم وأَجْرَم بمعنى ؛ عن النحاس وغيره.
قال :
طَريدُ عَشيرةٍ ورَهينُ جُرْمٍ...
بما جَرَمَتْ يَدِي وجَنَى لِسَانِي
ومن قرأ "أَجْرَامِي" بفتح الهمزة ذهب إلى أنه جمع جُرْم ؛ وذكره النحاس أيضاً.
﴿ وَأَنَاْ بريء مِّمَّا تُجْرَمُونَ ﴾ أي من الكفر والتكذيب. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٩ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon