وقوله تعالى :﴿ وَغِيضَ ﴾ ولا شك أن ما عندنا من الماء غير ماء الطوفان، هذا والمطابق تفسير الزمخشري، ألا ترى إلى قوله جل وعلا :
﴿ فَالْتَقَى الماء ﴾ [ القمر : ١٢ ] أي الأرضي والسمائي، وههنا تقدم الماءان في قوله سبحانه :﴿ مَاءكِ ويا سماء سَمَاء أَقْلِعِى ﴾ لأن تقديره عن إرسال الماء على زعمهم، فإذا قيل : وغيض المار رجع إليهما لا محالة لتقدمهما، ثم إذا جعل من توابع ﴿ أَقْلِعِى ﴾ خاصة لم يحسن عطفه على أصل القصة أعني ﴿ وَقِيلَ يا أَرْضُ ابلعى ﴾ كيف وفي إيثار هذا التفسير الإشارة إلى أنه زال كونه طوفانا لأن نقصان الماء غير الإذهاب بالكلية، وإلى أن الأجزاء الباطنة من الأرض لم تبق على ما كانت عليه من قوة الانباع ورجعت إلى الاعتدال المطلوب وليس في الاختصاص بالنضوب هذا المعنى البتة انتهى.
وزعم الطبرسي أن أئمة البيت رضي الله تعالى عنهم على أن الماء المضاف هو ما نبع وفار وأنه هو الذي ابتلع.
وغاض لا غير، وأن ماء السماء صار بحاراً وأنهاراً.
وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن ابن عباس ما يؤيده، وهذا مخالف لما يقتضيه كلام السكاكي مخالفة ظاهرة، وفي القلب من صحته ما فيه، ثم إنه تعالى أتبع غيض الماء ما هو المقصود الأصلي من القصة، وهو قوله جلت عظمتته :﴿ وَقُضِىَ الأمر ﴾ ثم أتبع ذكر المقصود حديث السفينة لتأخره عنه في الوجود، ثم ختمت القصة بالتعريض الذي علمته، هذا كله نظر في الآية من جانبي البلاغة، وأما النظر فيها من جانب الفصاحة المعنوية فهي كما ترى نظم للمعاني لطيف.
وتأدية لها ملخصة مبينة لا تعقيد يعثر الكفر في طلب المراد ولا التواء يشيك الطريق إلى المرتاد بل إذا جربت نفسك عند استماعها.