أَوْحَى اللهُ - تَعَالَى - إِلَيْهِ مَا أَيْأَسَهُ مِنْ إِيمَانِ أَحَدٍ مِنْ قَوْمِهِ بَعْدَ الْآنِ، غَيْرَ مَنْ قَدْ آمَنَ مِنْ قَبْلُ مِنْهُمْ، فَهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى إِيمَانِهِمْ دَائِمُونَ عَلَيْهِ :(فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) أَيْ فَلَا يَشْتَدَّنَّ عَلَيْكَ الْبُؤْسُ وَالْحُزْنُ وَاحْتِمَالُ الْمَكَارِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ (بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) فِي السِّنِينَ الطِّوَالِ، مِنْ تَكْذِيبِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَإِيذَائِهِمْ لَكَ وَلِمَنْ آمَنَ لَكَ، إِذْ كُنْتَ تَعْرِضُ لَهُ وَتَسْتَهْدِفُ لِسِهَامِهِ ; رَجَاءً فِي إِيمَانِهِمْ وَاهْتِدَائِهِمْ، فَأَرِحْ نَفْسَكَ بَعْدَ الْآنِ مِنْ جِدَالِهِمْ وَسَمَاعِ أَقْوَالِهِمْ وَمِنْ إِعْرَاضِهِمْ وَاحْتِقَارِهِمْ، فَقَدْ آنَ زَمَنُ الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) الْفُلْكُ : السَّفِينَةُ، يُطْلَقُ عَلَى الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ تَعْرِيفِهِ هُنَا أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - كَانَ أَخْبَرَهُ خَبَرَهُ، أَيْ : وَاصْنَعِ الْفُلْكَ الَّذِي سَنُنَجِّيكَ وَمَنْ آمَنَ مَعَكَ فِيهِ حَالَ كَوْنِكَ مَلْحُوظًا وَمُرَاقَبًا بِأَعْيُنِنَا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَمَا يَلْزَمُهُ مَنْ حِفْظِنَا فِي كُلِّ آنٍ وَحَالِهِ، فَلَا يَمْنَعْكَ مِنْهُ مَانِعٌ، وَمُلْهَمًا أَوْ مُعَلَّمًا بِوَحْيِنَا لَكَ كَيْفَ تَصْنَعُهُ، فَلَا يَعْرِضُ لَكَ فِي صِفَتِهِ خَطَأٌ، وَجَمَعَ الْأَعْيُنَ هُنَا لِإِفَادَةِ شِدَّةِ الْعِنَايَةِ بِالْمُرَاقَبَةِ وَالْحِفْظِ، وَإِنْ قَالَ مُجَاهِدٌ : أَيْ (بِعَيْنِي وَوَحْيِي) فَإِنَّ الْعَرَبَ تُعَبِّرُ بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ عَنِ الْعِنَايَةِ وَبِالْأَعْيُنِ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِيهَا، قَالَ - تَعَالَى - لِمُوسَى عَلَيْهِ


الصفحة التالية
Icon