واعلم أن قوله :﴿وَكَانَ فِى مَعْزِلٍ﴾ لا يدل على أنه في معزل من أي شيء فلهذا السبب ذكروا وجوهاً : الأول : أنه كان في معزل من السفينة لأنه كان يظن أن الجبل يمنعه من الغرق : الثاني : أنه كان في معزل عن أبيه وإخوته وقومه : الثالث : أنه كان في معزل من الكفار كأنه انفرد عنهم فظن نوح عليه السلام أن ذلك إنما كان لأنه أحب مفارقتهم.
أما قوله :﴿يا بنى اركب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الكافرين﴾ فنقول : قرأ حفص عن عاصم ﴿يا بَنِى﴾ بفتح الياء في جميع القرآن والباقون بالكسر.
قال أبو علي : الوجه الكسر وذلك أن اللام من ابن ياء أو واو فإذا صغرت ألحقت ياء التحقير، فلزم أن ترد اللام المحذوفة وإلا لزم أن تحرك ياء التحقير بحركات الإعراب لكنها لا تحرك لأنها لو حركت لزم أن تنقلب كما تنقلب سائر حروف المد واللين إذا كانت حروف إعراب، نحو عصا وقفا ولو انقلبت بطلت دلالتها على التحقير ثم أضفت إلى نفسك اجتمعت ثلاث آيات.
الأولى : منها للتحقير.
والثانية : لام الفعل.
والثالثة : التي للإضافة تقول : هذا بني فإذا ناديته صار فيه وجهان : إثبات الياء وحذفها والاختيار حذف الياء التي للإضافة وإبقاء الكسرة دلالة عليه نحو يا غلام ومن قرأ ﴿يا بَنِى﴾ بفتح الياء فإنه أراد الإضافة أيضاً كما أرادها من قرأ بالكسر لكنه أبدل من الكسرة الفتحة ومن الياء الألف تخفيفا فصار يا بنيا كما قال :
يا ابنة عما لا تلومي واهجعي.. ثم حذف الألف للتخفيف.