وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَقَالَ اركبوا فِيهَا ﴾
أمر بالركوب ؛ ويحتمل أن يكون من الله تعالى، ويحتمل أن يكون من نوح لقومه.
والركوب العلوّ على ظهر الشيء.
ويقال : ركبه الدّيْن.
وفي الكلام حذف ؛ أي اركبوا الماء في السفينة.
وقيل : المعنى اركبوها.
و"في" للتأكيد كقوله تعالى :﴿ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴾ [ يوسف : ٤٣ ] وفائدة "في" أنهم أمروا أن يكونوا في جوفها لا على ظهرها.
قال عِكرمة : ركب نوح عليه السلام في الفلك لعشر خلون من رجب، واستوت على الجُوديّ لعشر خلون من المحرم ؛ فذلك ستة أشهر ؛ وقاله قَتَادة وزاد ؛ وهو يوم عاشوراء ؛ فقال لمن كان معه : من كان صائماً فليتم صومه، ومن لم يكن صائماً فليصمه.
وذكر الطبريّ في هذا حديثاً عن النبيّ ﷺ أن نوحاً ركب في السفينة أوّل يوم من رجب، وصام الشهر أجمع، وجرت بهم السفينة إلى يوم عاشوراء، ففيه أرست على الجوديّ، فصامه نوح ومن معه.
وذكر الطبريّ عن ابن إسحق ما يقتضي أنه أقام على الماء نحو السنة، ومرت بالبيت فطافت به سبعاً، وقد رفعه الله عن الغرق فلم ينله غرق، ثم مضت إلى اليمن ورجعت إلى الجوديّ فاستوت عليه.
قوله تعالى :﴿ بِسْمِ الله مجراها وَمُرْسَاهَا ﴾ قراءة أهل الحرمين وأهل البصرة بضم الميم فيهما إلا من شذ، على معنى بسم الله إجراؤها وإرساؤها ؛ فمجراها ومرساها في موضع رفع بالابتداء ؛ ويجوز أن تكون في موضع نصب، ويكون التقدير : بسم الله وقت إجرائها ثم حذف وقت، وأقيم "مجراها" مقامه.
وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي :"بِسمِ الله مَجْرِيهَا" بفتح الميم و "مُرْسَاهَا" بضم الميم.
وروى يحيى بن عيسى عن الأعمش عن يحيى بن وثّاب "بِسْمِ الله مَجْرَاهَا وَمَرْسَاهَا" بفتح الميم فيهما ؛ على المصدر من جَرت تَجري جرياً ومجَرًى، ورَست رُسوًّا ومَرْسىً إذا ثبتت.