وقرأ أبو عمرو، والكسائي، وحفص ﴿ اركب مَّعَنَا ﴾ بادغام الباء في الميم لتقاربهما في المخرج.
وقرأ الباقون بعدم الإدغام ﴿ وَلاَ تَكُن مَّعَ الكافرين ﴾ نهاه عن الكون مع الكافرين : أي خارج السفينة، ويمكن أن يراد بالكون معهم الكون على دينهم.
ثم حكى الله سبحانه ما أجاب به ابن نوح على أبيه، فقال :﴿ قَالَ سَآوِى إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الماء ﴾ أي : يمنعني بارتفاعه من وصول الماء إليّ، فأجاب عنه نوح بقوله :﴿ لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله ﴾ أي : لا مانع، فإنه يوم قد حقّ فيه العذاب وجفّ القلم بما هو كائن فيه، نفى جنس العاصم فيندرج تحته العاصم من الغرق في ذلك اليوم اندراجاً أوّلياً، وعبر عن الماء أو عن الغرق بأمر الله سبحانه تفخيماً لشأنه، وتهويلاً لأمره.
والاستثناء قال الزجاج : هو منقطع : أي : لكن من رحمه الله فهو يعصمه، فيكون :﴿ مَن رَّحِمَ ﴾ في موضع نصب، ويجوز أن يكون الاستثناء متصلاً على أن يكون عاصم بمعنى معصوم : أي : لا معصوم اليوم من أمر الله إلا من رحمه الله : مثل :﴿ مَّاء دَافِقٍ ﴾ [ الطارق : ٦ ] ﴿ عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾ [ الحاقة : ٢١ ] ومنه قول الشاعر :
دع المكارم لا تنهض لبغيتها... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
أي : المطعم المكسوّ، واختار هذا الوجه ابن جرير ؛ وقيل : العاصم بمعنى ذي العصمة، كلابن وتامر، والتقدير : لا عاصم قط إلا مكان من رحم الله، وهو السفينة، وحينئذ فلا يرد ما يقال : إن معنى من رحم من رحمه الله، ومن رحمه الله هو معصوم، فكيف يصحّ استثناؤه عن العاصم؟ لأن في كل وجه من هذه الوجوه دفعاً للإشكال.
وقرىء " إلا من رحم " على البناء للمفعول ﴿ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الموج ﴾ أي : حال بين نوح وابنه فتعذر خلاصه من الغرق.


الصفحة التالية
Icon