وقال أبو السعود :
﴿ تِلكَ ﴾ إشارةٌ إلى ما قُصّ من قصة نوحٍ عليه الصلاة والسلام إما لكونها بتقضّيها في حكم البعيدِ أو للدِلالة على بُعد منزلِتها، وهي مبتدأٌ خبرُه ﴿ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيبِ ﴾ أي من جنسها، أي ليست من قبيل سائرِ الأنباءِ بل هي نسيجُ وحدِها منفردةٌ عما عداها أو بعضِها ﴿ نُوحِيهَا إِلَيكَ ﴾ خبرٌ ثانٍ والضمير لها أي مُوحاةٌ إليك أو هو الخبرُ، ومن أنباء متعلِّقٌ به، فالتعبير بصيغة المضارع لاستحضار الصورة أو حال من أنباء الغيب أي مُوحاةً إليك ﴿ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلاَ قَوْمُكَ ﴾ خبرٌ آخرُ أي مجهولةٌ عندك وعند قومِك ﴿ مِنْ قَبْلِ هَذَا ﴾ أي من قبل إيحائِنا إليك وإخبارِك بها أو من قبل هذا العلمِ الذي كسبْتَه بالوحي أو من قبلِ هذا الوقتِ أو حالٌ من الهاء في نُوحيها، أو الكافِ في إليك، أي جاهلاً أنت وقومُك بها، وفي ذكر جهلِهم تنبيهٌ على أنه عليه الصلاة والسلام لم يتعلّمْه، إذا لم يخالِطْ غيرَهم وأنهم مع كثرتهم لم يعلموه فكيف بواحد منهم ﴿ فَاصْبِر ﴾ متفرِّعٌ على الإيحاء أو العلمِ المستفادِ منه المدلولِ عليه بقوله :﴿ ما كنت تعلمها أنت ولا قومُك من قبل هذا ﴾ أي وإذ قد أوحيناها إليك أو علمْتَها بذلك فاصبِرْ على مشاقّ تبليغِ الرسالةِ وأذيَّةِ قومِك كما صبر نوحٌ على ما سمعته من أنواع البلايا في هذه المدة المتطاولةِ، وهذا ناظرٌ إلى ما سبق من قوله تعالى :﴿ فلعلك تاركٌ بعضَ مايوحى إليك ﴾ الخ ﴿ إن العاقبة ﴾ بالظفر في الدنيا وبالفوز في الآخرة ﴿ للمتقين ﴾ كما شاهدْتَه في نوحٍ عليه الصلاة والسلام وقومِه ولك فيه أسوةٌ حسنةٌ فهي تسليةٌ لرسول الله ﷺ وتعليلٌ للأمر بالصبر فإن كونَ العاقبةِ الحميدةِ للمتقين وهو في أقصى درجاتِ التقوى والمؤمنون كلُّهم مّتقون مما يسليه عليه الصلاة والسلام ويهوِّن عليه الخطوبَ ويُذهب عنه ما عسى أن يعتريَه من ضيق صدرِه، وهذا على تقدير


الصفحة التالية
Icon