فنقول : إن أمة نوح عليه السلام كانوا على ثلاثة أقسام كافر يظهر كفره ومؤمن يعلم إيمانه وجمع من المنافقين، وقد كان حكم المؤمنين هو النجاة وحكم الكافرين هو الغرق، وكان ذلك معلوماً، وأما أهل النفاق فبقي حكمهم مخفياً وكان ابن نوح منهم وكان يجوز فيه كونه مؤمناً، وكانت الشفقة المفرطة التي تكون من الأب في حق الابن تحمله على حمل أعماله وأفعاله لا على كونه كافراً، بل على الوجوه الصحيحة، فلما رآه بمعزل عن القوم طلب منه أن يدخل السفينة فقال :﴿سَاوِى إلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِى مِنَ الماء﴾ وذلك لا يدل على كفره لجواز أن يكون قد ظن أن الصعود على الجبل يجري مجرى الركوب في السفينة في أنه يصونه عن الغرق، وقول نوح :﴿لاَ عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَن رَّحِمَ﴾ لا يدل إلا على أنه عليه السلام كان يقرر عند ابنه أنه لا ينفعه إلا الإيمان والعمل الصالح، وهذا أيضاً لا يدل على أنه علم من ابنه أنه كان كافراً فعند هذه الحالة كان قد بقي في قلبه ظن أن ذلك الابن مؤمن، فطلب من الله تعالى تخليصه بطريق من الطرق إما بأن يمكنه من الدخول في السفينة، وإما أن يحفظه على قلة جبل، فعند ذلك أخبره الله تعالى بأنه منافق وأنه ليس من أهل دينه، فالزلة الصادرة عن نوح عليه السلام هو أنه لم يستقص في تعريف ما يدل على نفاقه وكفره، بل اجتهد في ذلك وكان يظن أنه مؤمن، مع أنه أخطأ في ذلك الاجتهاد، لأنه كان كافراً فلم يصدر عنه إلا الخطأ في هذا الاجتهاد، كما قررنا ذلك في أن آدم عليه السلام لم تصدر عنه تلك الزلة إلا لأنه أخطأ في هذا الاجتهاد، فثبت بما ذكرنا أن الصادر عن نوح عليه السلام ما كان من باب الكبائر وإنما هو من باب الخطأ في الاجتهاد، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon