والقول الثاني : أنه تعالى لما وعده بالسلامة من الآفات، وعده بأن موجبات السلامة، والراحة والفراغة يكون في التزايد والثبات والاستقرار، ثم إنه تعالى لما شرفه بالسلامة والبركة شرح بعده حال أولئك الذين كانوا معه فقال :﴿وعلى أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ﴾ واختلفوا في المراد منه على ثلاثة أقوال : منهم من حمله على أولئك الأقوام الذين نجوا معه وجعلهم أمماً وجماعات، لأنه ما كان في ذلك الوقت في جميع الأرض أحد من البشر إلا هم، فلهذا السبب جعلهم أمماً، ومنهم من قال : بل المراد ممن معك نسلاً وتولداً قالوا : ودليل ذلك أنه ما كان معه إلا الذين آمنوا وقد حكم الله تعالى عليهم بالقلة في قوله تعالى :
﴿وَمَا ءامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ [ هود : ٤٠ ] ومنهم من قال : المراد من ذلك مجموع الحاضرين مع الذين سيولدون بعد ذلك، والمختار هو القول الثاني : ومن في قوله :﴿مّمَّن مَّعَكَ﴾ لابتداء الغاية، والمعنى : وعلى أمم ناشئة من الذين معك.
واعلم أنه تعالى جعل تلك الأمم الناشئة من الذين معه على قسمين : أحدهما : الذين عطفهم على نوح في وصول سلام الله وبركاته إليهم وهم أهل الإيمان.
والثاني : أمم وصفهم بأنه تعالى سيمتعهم مدة في الدنيا ثم في الآخرة يمسهم عذاب أليم، فحكم تعالى بأن الأمم الناشئة من الذين كانوا مع نوح عليه السلام لا بد وأن ينقسموا إلى مؤمن وإلى كافر.


الصفحة التالية
Icon