ولما انجلى للسامع ما هو فيه ـ ﷺ ـ من علو المقام وعظيم الشأن الموجب للعقاب على كثير من الصواب فتشوف للجواب، استأنف بيانه بقوله :﴿قال﴾ أي مبادراً على ما يقتضيه له من كمال الصفات ﴿رب﴾ أي أيها المحسن إليّ، وأكد دلالة للسامعين على عظيم رغبته فقال :﴿إني أعوذ بك أن﴾ أي من أن ﴿أسألك﴾ أي في شيء من الأشياء ﴿ما ليس لي به علم﴾ تأدباً بإذنك واتعاظاً بموعظتك وارتقاء لما رقيتني إليه من علو الدرجة ورفيع المنزلة ﴿وإلا تغفر لي﴾ أي الآن وفي المستقبل ﴿وترحمني﴾ أي تستر زلاتي وتمحها وتكرمني ﴿أكن من الخاسرين﴾ أي العريقين في الخسارة فكأنه قيل : ماذا أجيب عن ذلك؟ فقيل :﴿قيل﴾ بالبناء للمفعول دلالة على العظمة والجلال الذي تكون الأمور العظيمة لأجله بأدنى إشارة ﴿يا نوح اهبط﴾ أي من السفينة ﴿بسلام﴾ أي عظيم ﴿منا﴾ أي ومن سلمنا عليه فلا هلك يلحقه ﴿وبركات﴾ أي خيرات نامية عظيمة صالحة ﴿عليك﴾ أي خاصة بك ﴿وعلى أمم﴾ ناشئة ﴿ممن معك﴾ لكونهم على ما يرضينا ولا نمتعهم بالدنيا إلا قليلاً، ولهم إذا رجعوا إلينا نعيم مقيم، وقد دخل في هذا الكلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ﴿وأمم﴾ أي منهم ﴿سنمتعهم﴾ في الدنيا بالسعة في الرزق والخفض في العيش على وفق علمنا وإرادتنا ولا بركات عليهم منا ولا سلام، فالآية من الاحتباك : ذكر البركات والسلام أولاً دليلاً على نفيهما ثانياً، والمتاع ثانياً، دليلاً على حذفه أولاً ﴿ثم يمسهم منا﴾ أي في الدارين أو في الآخرة أو فيهما ﴿عذاب أليم﴾ لجريهم على غير هدينا وجرأتهم على ما يسخطنا، ويجوز أن يكون ﴿وأمم﴾ مبتدأ من غير تقدير صفة محذوفة، فيكون المسوغ للابتداء كون المقام مقام التفضيل ؛ والعياذ : طلب النجاة بما يمنع من الشر ؛ والبركة : ثبوت الخير بنمائه حالاً بعد حال، وأصله الثبوت، ومنه البروك والبركة لثبوت الماء فيها.