النجاة الأولى : من العذاب الجامع ؛ الريح الصرصر ؛ من الصيحة ؛ من الطاغية، يقول سبحانه :
﴿ نَجَّيْنَا هُوداً والذين آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [ هود : ٥٨ ].
والنجاة الثانية : هي نجاة من عذاب الآخرة الغليظ، فعذاب الدنيا رغم قسوته، إلا أنه موقوت بعمر الدنيا.
أما عذاب الآخرة فهو عذاب بلا نهاية، ووصفه الحق سبحانه بالغلظة.
وغلظ الشيء يعطي له القوة والمتانة، وهو عذاب غليظ على قدر ما يستوعب الحكم.
ولذلك حينما يُملِّك الحقُّ سبحانه رجلاً بُضْع امرأة بعقد الزواج، ويصف ذلك بالميثاق الغليظ، والنفعية هنا متصلة بالعفة والعِرْض، ولم يُملِّك الرجل النفعية المطلقة من المرأة التي يتزوجها ؛ فالزوج يُمكَّن من عورة زوجته بعقد الزواج.
يقول الحق سبحانه :
﴿ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً ﴾ [ النساء : ٢١ ].
وكانت نجاة هود عليه السلام والمؤمنين معه من العذاب الأول مقدمة للنجاة من العذاب الغليظ.
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك :﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾
و" تلك " إشارة إلى المكان الذي عاش فيه قوم عاد ؛ لأن الإشارة هنا لمؤنث، ولنتذكر أن المتكلم هنا هو الله سبحانه وتعالى.
وهكذا فصل بين " عاد " المكان، و " عاد " المكين، وهم قوم عاد ؛ لذلك قال سبحانه ﴿ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ [ هود : ٥٩ ] فهم قد ذهبوا وبقيت آثارهم.
و" عاد " إما أن تطلق على المكان والمحل، وإما أن تطلق على الذوات التي عاشت في المكان، فإذا أشار سبحانه ب ﴿ تِلْكَ ﴾ فهي إشارة إلى الديار، والديار لم تجحد بآيات الله ؛ ولذلك جاء بعدها بقوله تعالى :
﴿ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾ [ هود : ٥٩ ].
والجحود هو النكران مع قوة الحجة والبرهان.
والآيات كما نعلم جمع آية، وهي الأمور العجيبة الملفتة للنظر التفاتاً يوحي بإيمان بما تنص عليه.


الصفحة التالية
Icon