قال مصنف هذا الكتاب محمد بن عمر الرازي رحمه الله وختم له بالحسن، دخلت بلاد الهند فرأيت أولئك الكفار مطبقين على الاعتراف بوجود الإله، وأكثر بلاد الترك أيضاً كذلك، وإنما الشأن في عبادة الأوثان، فإنها آفة عمت أكثر أطراف الأرض وهكذا الأمر كان في الزمان القديم، أعني زمان نوح وهود وصالح عليهم السلام، فهؤلاء الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، كانوا يمنعونهم من عبادة الأصنام، فكان قوله :﴿اعبدوا الله﴾ معناه لا تعبدوا غير الله والدليل عليه أنه قال عقيبه :﴿مَالَكُمْ مّنْ إله غَيْرُهُ﴾ وذلك يدل على أن المقصود من هذا الكلام منعهم عن الاشتغال بعبادة الأصنام.
وأما قوله :﴿مَالَكُمْ مّنْ إله غَيْرُهُ﴾ فقرىء ﴿غَيْرُهُ﴾ بالرفع صفة على محل الجار والمجرور، وقرىء بالجر صفة على اللفظ.
ثم قال :﴿إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ﴾ يعني أنكم كاذبون في قولكم إن هذه الأصنام تحسن عبادتها، أو في قولكم إنها تستحق العبادة، وكيف لا يكون هذا كذباً وافتراء وهي جمادات لاحس لها ولا إدراك، والإنسان هو الذي ركبها وصورها فكيف يليق بالإنسان الذي صنعها أن يعبدها وأن يضع الجبهة على التراب تعظيماً لها، ثم إنه عليه الصلاة والسلام لما أرشدهم إلى التوحيد ومنعهم عن عبادة الأوثان قال : و ﴿ياقوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الذى فَطَرَنِى﴾ وهو عين ما ذكره نوح عليه السلام، وذلك لأن الدعوة إلى الله تعالى إذا كانت مطهرة عن دنس الطمع، قوي تأثيرها في القلب.
ثم قال ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ يعني أفلا تعقلون أني مصيب في المنع من عبادة الأصنام، وذلك لأن العلم بصحة هذا المنع، كأنه مركوز في بدائه العقول.
﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴾


الصفحة التالية
Icon