فصل


قال الفخر :
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً ﴾
اعلم أن قوله :﴿إِن كُنتُ على بَيّنَةٍ مّن رَّبّى﴾ ورد بحرف الشك وكان على يقين تام في أمره إلا أن خطاب المخالف على هذا الوجه أقرب إلى القبول، فكأنه قال : قدروا أني على بينة من ربي وأني نبي على الحقيقة، وانظروا أني إن تابعتكم وعصيت ربي في أوامره فمن يمنعني من عذاب الله فما تزيدونني على هذا التقدير غير تخسير، وفي تفسير هذه الكلمة وجهان : الأول : أن على هذا التقدير تخسرون أعمالي وتبطلونها.
الثاني : أن يكون التقدير فما تزيدونني بما تقولون لي وتحملوني عليه غير أن أخسركم أي أنسبكم إلى الخسران، وأقول لكم إنكم خاسرون، والقول الأول أقرب لأن قوله :﴿فَمَن يَنصُرُنِى مِنَ الله إِنْ عَصَيْتُهُ﴾ [ هود : ٦٣ ] كالدلالة على أنه أراد إن أتبعكم فيما أنتم عليه من الكفر الذي دعوتموني إليه لم أزدد إلا خسراناً في الدين فأصير من الهالكين الخاسرين.
﴿ وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ﴾
اعلم أن العادة فيمن يدعي النبوة عند قوم يعبدون الأصنام أن يبتدىء بالدعوة إلى عبادة الله ثم يتبعه بدعوى النبوة لا بد وأن يطلبوا منه المعجزة، وأمر صالح عليه السلام هكذا كان، يروى أن قومه خرجوا في عيد لهم فسألوه أن يأتيهم بآية وأن يخرج لهم من صخرة معينة أشاروا إليها ناقة، فدعا صالح ربه، فخرجت الناقة كما سألوا.
واعلم أن تلك الناقة كانت معجزة من وجوه، الأول : أنه تعالى خلقها من الصخرة وثانيها : أنه تعالى خلقها في جوف الجبل ثم شق عنها الجبل.
وثالثها : أنه تعالى خلقها حاملاً من غير ذكر.


الصفحة التالية
Icon