الخزي الذل العظيم حتى يبلغ حد الفضيحة ولذلك قال تعالى في المحاربين ﴿ذلك لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدنيا﴾ [ المائدة : ٣٣ ] وإنما سمى الله تعالى ذلك العذاب خزياً لأنه فضيحة باقية يعتبر بها أمثالهم ثم قال :﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ القوى العزيز﴾ وإنما حسن ذلك، لأنه تعالى بين أنه أوصل ذلك العذاب إلى الكافر وصان أهل الإيمان عنه، وهذا التمييز لا يصح إلا من القادر الذي يقدر على قهر طبائع الأشياء فيجعل الشيء الواحد بالنسبة إلى إنسان بلاء وعذاباً وبالنسبة إلى إنسان آخر راحة وريحاناً ثم إنه تعالى بين ذلك الأمر فقال :﴿وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
إنما قال :﴿أَخَذَ﴾ ولم يقل أخذت لأن الصيحة محمولة على الصياح، وأيضاً فصل بين الفعل والاسم المؤنث بفاصل، فكان الفاصل كالعوض من تاء التأنيث، وقد سبق لها نظائر.
المسألة الثانية :
ذكروا في الصيحة وجهين.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد الصاعقة الثاني : الصيحة صيحة عظيمة هائلة سمعوها فماتوا أجمع منها فأصبحوا وهم موتى جاثمين في دورهم ومساكنهم، وجثومهم سقوطهم على وجوههم، يقال إنه تعالى أمر جبريل عليه السلام أن يصيح بهم تلك الصيحة التي ماتوا بها، ويجوز أن يكون الله تعالى خلقها، والصياح لا يكون إلا الصوت الحادث في حلق وفم وكذلك الصراخ، فإن كان من فعل الله تعالى فقد خلقه في حلق حيوان وإن كان فعل جبريل عليه السلام فقد حصل في فمه وحلقه، والدليل عليه أن صوت الرعد أعظم من كل صيحة ولا يسمى بذلك ولا بأنه صراخ.
فإن قيل : فما السبب في كون الصيحة موجبة للموت ؟
قلنا : فيه وجوه : أحدها : أن الصيحة العظيمة إنما تحدث عند سبب قوي يوجب تموج الهواء وذلك التموج الشديد ربما يتعدى إلى صماخ الإنسان فيمزق غشاء الدماغ فيورث الموت.