قلنا : النكرة إذا كانت موصوفة جاز جعلها مبتدأ، فإذا قلت سلام عليكم : فالتنكير في هذا الموضع يدل على التمام والكمال، فكأنه قيل : سلام كامل تام عليكم، ونظيره قولنا : سلام عليك، وقوله تعالى :﴿قَالَ سلام عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي﴾ [ مريم : ٤٧ ] وقوله :﴿سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ﴾ [ ياس : ٥٨ ] ﴿سلام على نُوحٍ فِى العالمين﴾ [ الصافات : ٧٩ ] ﴿الملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سلام عَلَيْكُمُ﴾ [ الرعد : ٢٣، ٢٤ ] فأما قوله تعالى :﴿والسلام على مَنِ اتبع الهدى﴾ [ طه : ٤٧ ] فهذا أيضاً جائز، والمراد منه الماهية والحقيقة.
وأقول : قوله :﴿سلام عَلَيْكُمُ﴾ أكمل من قوله : السلام عليكم، لأن التنكير في قوله :﴿سلام عَلَيْكُمُ﴾ يفيد الكمال والمبالغة والتمام.
وأما لفظ السلام : فإنه لا يفيد إلا الماهية.
قال الأخفش : من العرب من يقول : سلام عليكم فيعرى قوله : سلام عن الألف واللام والتنوين، والسبب في ذلك كثرة الاستعمال أباح هذا التخفيف، والله أعلم.
ثم قال تعالى :﴿فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ قالوا : مكث إبراهيم خمس عشرة ليلة لا يأتيه ضيف فاغتم لذلك، ثم جاءه الملائكة فرأى أضيافاً لم ير مثلهم، فعجل وجاء بعجل حنيذ، فقوله :﴿فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ معناه : فما لبت في المجيء به بل عجل فيه، أو التقدير : فما لبث مجيئه والعجل ولد البقرة.
أما الحنيذ : فهو الذي يشوى في حفرة من الأرض بالحجارة المحماة، وهو من فعل أهل البادية معروف، وهو محنوذ في الأصل كما قيل : طبيخ ومطبوخ، وقيل : الحنيذ الذي يقطر دسمه.
يقال : حنذت الفرس إذا ألقيت عليه الجل حتى تقطر عرقاً.
ثم قال تعالى :﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ﴾ أي إلى العجل، وقال الفراء : إلى الطعام، وهو ذلك العجل ﴿نَكِرَهُمْ﴾ أي أنكرهم.
يقال : نكره وأنكره واستنكره.