وقال الجصاص :
قَوْله تَعَالَى :﴿ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴾
يَعْنِي : لَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ الْفَزَعُ جَادَلَ الْمَلَائِكَةَ حَتَّى قَالُوا : إنَّا أُرْسِلْنَا إلَى قَوْمِ لُوطٍ لِنُهْلِكَهُمْ، فَقَالَ : إنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا : نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَقِيلَ : إنَّهُ سَأَلَهُمْ فَقَالَ : أَتُهْلِكُونَهُمْ إنْ كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالُوا : لَا، ثُمَّ نَزَّلَهُمْ إلَى عَشَرَةٍ، فَقَالُوا : لَا، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ.
وَيُقَالُ : جَادَلَهُمْ لِيَعْلَمَ بِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَحَقُّوا عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ وَهَلْ ذَلِكَ وَاقِعٌ بِهِمْ
لَا مَحَالَةَ أَمْ عَلَى سَبِيلِ الْإِخَافَةِ لِيُقْبِلُوا إلَى الطَّاعَةِ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْتَجُّ بِذَلِكَ فِي جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَخْبَرَتْ أَنَّهَا تُهْلِكُ قَوْمَ لُوطٍ وَلَمْ تُبَيِّنْ الْمُنْجَيْنَ مِنْهُمْ، وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَادَلَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ : أَتُهْلِكُونَهُمْ وَفِيهِمْ كَذَا رَجُلًا فَيَسْتَدِلُّونَ بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ سَأَلَهُمْ عَنْ الْوَجْهِ الَّذِي بِهِ اسْتَحَقُّوا عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ وَهَلْ ذَلِكَ وَاقِعٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ التَّخْوِيفِ لِيَرْجِعُوا إلَى الطَّاعَةِ. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ٣ صـ ﴾