ومجادلته إياهم أنهم قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية فقال : أرأيتم لو كان فيها خمسون مؤمناً أتهلكونها؟ قالوا : لا، قال : فأربعون؟ قالوا : لا، قال : فثلاثون؟ قالوا : لا حتى بلغ العشرة قالوا : لا قال : أرأيتم إن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها؟ قالوا : لا فعند ذلك قال ﴿ إن فيها لوطاً قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله ﴾ العنكبوت : ٣٢ ) ﴿ إِنَّ إبراهيم لَحَلِيمٌ ﴾ غير عجول على كل من أساء إليه أو كثير الاحتمال ممن آذاه، صفوح عمن عصاه ﴿ أَوَّاهٌ ﴾ كثير التأوه من خوف الله ﴿ مُّنِيبٌ ﴾ تائب راجع إلى الله، وهذه الصفات دالة على رقة القلب والرأفة والرحمة فبين أن ذلك مما حمله على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع عنهم العذاب ويمهلوا لعلهم يحدثون التوبة كما حمله على الاستغفار لأبيه فقالت الملائكة.
﴿ يإبراهيم أَعْرِضْ عَنْ هذا ﴾ الجدال وإن كانت الرحمة ديدنك ﴿ إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبّكَ ﴾ قضاؤه وحكمه ﴿ وَإِنَّهُمْ اتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴾ لا يرد بجدال وغير ذلك عذاب مرتفع باسم الفاعل وهو ﴿ آتيهم ﴾ تقديره وإنهم يأتيهم.
ثم خرجوا من عند إبراهيم متوجهين نحو قوم لوط وكان بين قرية إبراهيم وقوم لوط أربعة فراسخ.
﴿ وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً ﴾ لما أتوه ورأى هيئاتهم وجمالهم ﴿ سِىء بِهِمْ ﴾ أحزن لأنه حسب أنهم إِنس فخاف عليهم خبث قومه وأن يعجز عن مقاومتهم ومدافعتهم ﴿ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا ﴾ تمييز أي وضاق بمكانهم صدره ﴿ وَقَالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴾ شديد.
روي أن الله تعالى قال لهم : لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات، فلما مشى معهم منطلقاً بهم إلى منزله قال لهم : أما بلغكم أمر هذه القرية؟ قالوا : وما أمرهم؟ قال.
أشهد الله إنها لشر قرية في الأرض عملاً.
قال ذلك أربع مرات فدخلوا معه منزله ولم يعلم بذلك أحد فخرجت امرأته فأخبرت بهم قومها.