روي أنه أغلق بابه لما جاؤوا فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة ما لقي لوط من الكرب ﴿ قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ﴾ وهذه جملة موضحة للتي قبلها لأنهم إذا كانوا رسل الله لم يصل الأعداء إليه ولن يقدروا على ضرره، فأمره الملائكة أن يفتح الباب فدخلوا فاستأذن جبرائيل ربه في عقوبتهم فأذن له، فضرب بجناحه وجوههم فطمس أعينهم وأعماهم كما قال سبحانه ﴿ ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم ﴾ [ القمر : ٣٧ ] فصاروا لا يعرفون الطريق فخرجوا وهم يقولون إن في بيت لوط سحرة. ثم بين نزول العذاب ووجه خلاص لوط وأهله فقال :﴿ فأسر بأهلك ﴾ الباء للتعدية إن كانت الهمزة للوصل من السرى، أو زائدة وإن كانت للقطع من الإسراء. ﴿ بقطع من الليل ﴾ عن ابن عباس : أي في آخر الليل بسحر. وقال قتادة : بعد طائفة من الليل. وقيل نصف الليل كأنه قطع نصفين ﴿ ولا يلتفت منكم أحد ﴾ أي لا ينظر إلى ما رواءه ﴿ إلا امرأتك ﴾ أكثر القراء على النصب فاعترض بأن الفصيح في مثله هو البدل لأن الكلام غير موجب فكيف اجتمع القراء على غير فصيح؟ فأجاب جار الله بأن الرفع بدل من ﴿ أحد ﴾ على القياس والنصب مستثنى من قوله :﴿ فأسر ﴾ لا من قوله ﴿ لا يلتفت ﴾ وزيف بأن الاستثناء من ﴿ أسر ﴾ يقتضي كونها غير مسرى بها، والاستثناء من ﴿ لا يلتفت ﴾ يقتضي كونها مسرياً بها لأن الالتفات بعد الإسراء فتكون مسرياً بها غير مسرى بها. ويمكن أن يجاب بأن ﴿ أسر ﴾ وإن كان مطلقاً في الظاهر إلا أنه في المعنى مقيد بعدم الالتفات إذ المراد أسر بأهلك إسراء لا التفات فيه إلا امرأتك فإنك تسري بها إسراء مع الالتفات، فاستثن على هذا إن شئت من ﴿ أسر ﴾ وإن شئت من ﴿ لا يلتفت ﴾ ولا تناقض. وبعضهم - كابن الحاجب - جعل ﴿ إلا امرأتك ﴾ في كلتا القراءتين مستثنى من ﴿ لا يلتفت ﴾ ولم يستبعد اجتماع القراء على قراءة غير الأقوى. ويمكن أن يقال : إنما اجتمعوا على النصب ليكون استثناء من { أسر


الصفحة التالية
Icon