وقيل : هو مشي بين الهرولة والعدو، والمعنى : أن قوم لوط لما بلغهم مجيء الملائكة في تلك الصورة أسرعوا إليه، كأنما يدفعون دفعاً لطلب الفاحشة من أضيافه ﴿ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السيئات ﴾ أي : ومن قبل مجيء الرسل في هذا الوقت، كانوا يعملون السيئات.
وقيل : ومن قبل لوط كانوا يعملون السيئات، أي : كانت عادتهم إتيان الرجال، فلما جاءوا إلى لوط، وقصدوا أضيافه لذلك العمل، قام إليهم لوط مدافعاً ﴿ وَقَالَ ياقَوْمٌ هَؤُلاء بَنَاتِى هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ أي : تزوّجوهنّ، ودعوا ما تطلبونه من الفاحشة بأضيافي، وقد كان له ثلاث بنات.
وقيل : اثنتان، وكانوا يطلبون منه أن يزوجهم بهنّ، فيمتنع لخبثهم، وكان لهم سيدان مطاعان، فأراد أن يزوجهما بنتيه.
وقيل : أراد بقوله :﴿ هؤلاء بَنَاتِى ﴾ النساء جملة، لأن نبيّ القوم أب لهم، وقالت طائفة : إنما كان هذا القول منه على طريق المدافعة، ولم يرد الحقيقة.
ومعنى :﴿ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ﴾ أي : أحلّ وأنزه.
والتطهر : التنزه عما لا يحلّ، وليس في صيغة أطهر دلالة على التفضيل، بل هي مثل "الله أكبر".
وقرأ الحسن، وعيسى بن عمر بنصب " أطهر "، وقرأ الباقون بالرفع ؛ ووجه النصب أن يكون اسم الإشارة مبتدأ، وخبره ﴿ بناتي ﴾، و ﴿ هنّ ﴾ ضمير فصل، و ﴿ أطهر ﴾ حال.
وقد منع الخليل، وسيبويه، والأخفش مثل هذا، لأن ضمير الفصل الذي يسمى عماداً إنما يكون بين كلامين بحيث لا يتمّ الكلام إلا بما بعدها، نحو كان زيد هو أخاك ﴿ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِى ضَيْفِى ﴾ أي : اتقوا الله بترك ما تريدون من الفاحشة بهم، ولا تذلوني وتجلبوا عليّ العار في ضيفي، والضيف يطلق على الواحد والاثنين والجماعة، لأنه في الأصل مصدر، ومنه قول الشاعر :
لا تعدمي الدهر شفار الجازر... للضيف والضيف أحق زائر
ويجوز فيه التثنية والجمع، والأوّل : أكثر.